@ 208 @ إليه نفسه بالطبع خوفاً من الله ، وامتثالاً لأمره ، كما قال تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى } . .
وهم بني حارثة وبني سلمة بالفرار يوم أحد ، كهم يوسف هذا ، بدليل قوله : { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا } لأن قوله : { وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا } يدل على أن ذلك الهم ليس معصية ، لأن إتباع المعصية بولاية الله لذلك العاصي إغراء على المعصية . .
والعرب تطلق الهم وتريد به المحبة والشهوة ، فيقول الإنسان فيما لا يحبه ولا يشتهيه : هذا ما يهمني ، ويقول فيما يحبه ويشتهيه : هذا أهم الأشياء إلي ، بخلاف هم امرأة العزيز ، فإنه هم عزم وتصميم ، بدليل أنها شقت قميصه من دبر وهو هارب عنها ، ولم يمنعها من الوقوع فيما لا ينبغي إلا عجزها عنه . .
ومثل هذا التصميم على المعصية : معصية يؤاخذ بها صاحبها ، بدليل الحديث الثابت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكرة : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ) قالوا : يا رسول الله قد عرفنا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : ( إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ) فرح صلى الله عليه وسلم بأن تصميم عزمه على قتل صاحبه معصية أدخله الله بسببها النار . .
وأما تأويلهم هم يوسف بأنه قارب الهم ولم يهم بالفعل ، كقول العرب : قتلته لو لم أخف الله ، أي قاربت أن أقتله ، كما قاله الزمخشري . .
وتأويل الهم بأنه هم بضربها ، أو هم بدفعها عن نفسه ، فكل ذلك غير ظاهر ، بل بعيد من الظاهر ولا دليل عليه . .
والجواب الثاني وهو اختيار أبي حيان : أن يوسف لم يقع منه هم أصلاً ، بل هو منفى عنه لوجود البرهان . .
قال مقيده عفا الله عنه : هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية ، لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب : أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه ، كقوله : { فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ } أي إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه ، فالأول : دليل الجواب المحذوف لا نفس الجواب ، لأن جواب الشروط وجواب { لَوْلاَ } لا يتقدم ، ولكن يكون المذكور قبله دليلاً عليه كالآية