@ 171 @ سفّاكاً للدماء شديد البطش والنكال على من انتهك حرمته ظلماً ، وسيافه قائم على رأسه ، والنطع مبسوط للقتل ، والسيف يقطر دماً ، وحول هذا الملك الذي هذه صفته جواريه وأزواجه وبناته ، فهل ترى أن أحداً من الحاضرين يهتم بريبة أو بحرام يناله من بنات ذلك الملك وأزواجه ، وهو ينظر إليه ، عالم بأنه مطلع عليه ؟ ا لا ، وكلاا بل جميع الحاضرين يكونون خائفين ، وجلة قلوبهم ، خاشعة عيونهم ، ساكنة جوارحهم خوفاً من بطش ذلك الملك . .
ولا شك ( ولله المثل الأعلى ) أن رب السموات والأرض جل وعلا أشد علماً ، وأعظم مراقبة ، وأشد بطشاً ، وأعظم نكالاً وعقوبة من ذلك الملك ، وحماه في أرضه محارمه . فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه ، وأنه مطلع على كل ما يقول وما يفعل وما ينوي لان قلبه ، وخشي الله تعالى ، وأحسن عمله لله جل وعلا . .
ومن أسرار هذه الموعظة الكبرى أن الله تبارك وتعالى صرح بأن الحكمة التي خلق الخلق من أجلها هي أن يبتليهم أيهم أحسن عملاً ، ولم يقل : أيهم أكثر عملاً ، فالابتلاء في إحسان العمل ، كما قال تعالى في هذه السورة الكريمة : { وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } . .
وقال في الملك : { الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } . .
ولا شك أن العاقل إذا علم أن الحكمة التي خلق من أجلها هي أن يبتلى أي يختبر : بإحسان العمل فإنه يهتم كل الاهتمام بالطريق الموصلة لنجاحه في هذا الاختبار ، ولهذه الحكمة الكبرى سأل جبريل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن هذا ليعلمه لأصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أخبرني عن الإحسان ) ، أي وهو الذي خلق الخلق لأجل الاختبار فيه ، فبين النَّبي صلى الله عليه وسلم أن الطريق إلى ذلك هي هذا الواعظ ، والزاجر الأكبر الذي هو مراقبة الله تعالى ، والعلم بأنه لا يخفى عليه شيء مما يفعل خلقه ، فقال له : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . .
واختلف العلماء في المراد بقوله في هذه الآية الكريمة { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } وقوله { يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } وفي مرجع الضمير في قوله : { مِنْهُ } .