@ 10 @ منزلة إسجاد الملائكة له وسكناه الجنة ، فهي أعلى منزلة التكريم ، وله فيها أنه لا يجوع ولا يعرى ولا يظمأ فيها ولا يضحى ، وظل كذلك على ذلك إلى أن أغواه الشيطان ونسي عهد ربه إليه ، ووقع فيما وقع فيه وكان له ما كان ، فدلاهما بغرور وانتقلا من أعلى عليين إلى أسفل سافلين ، فنزل إلى الأرض يحرث ويزرع ويحصد ويطحن ويعجن ويخبز ، حتى يجد لقمة العيش ، فهذا خلق الإنسان في أحسن تقويم ورده أسفل سافلين . .
وهذا شأن أهل الأرض جميعاً ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فلهم أجر غير ممنون ، برجوعهم إلى الجنة كما رجع إليها آدم بالتوبة ، فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، ثم اجتباه ربه ، فتاب عليه وهدى . .
وإن في ذكر البلد الأمين لترشيح لهذا المعنى ، لأن الله جعل الحرم لأهل مكة أمناً كصورة الآمن في الجنة ، فإن امتثلوا وأطاعوا تعموا بهذا الأمن ، وإن تمردوا وعصوا ، فيخرجون منها ويحرمون أمنها . .
وهكذا تكون السورة ربطاً بين الماضي والحاضر ، وانطلاقاً من الحاضر إلى المستقبل ، فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين . فيما فعل بآدم وفيما يفعل بأولئك ، حيث أنعم عليهم بالأمن والعيش الرغد ، وإرسالك إليهم وفيما يفعل لمن آمن أو بمن يكفر ، اللَّهم بلى . { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ } . فالدين هو الجزاء كما في سورة الفاتحة { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } والخطاب قيل للرسول صلى الله عليه وسلم . وأن ما في قوله : فما هي بمعنى من أي ، فمن الذي يكذبك بعد هذا البيان ، بمجيء الجزاء والحساب ليلقى كل جزاء عمله . { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ } . السؤال كما تقدم في { أَلَمْ نَشْرَحْ } ، أي للإثبات ، وهو سبحانه وتعالى بلا شك أحكم الحاكمين ، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قرأها قال : ( اللهم بلى ) كما سيأتي . .
وأحكم الحاكمين ، قيل : أفعل تفضيل من الحكم أي أعدل الحاكمين ، كما في