@ 6 @ % ( ونزعم أنك جرم صغير % وفيك انطوى العالم الكبير ) % .
وقد بين تعالى خلقه ابتداء من نطفة فعلقة إلى آخره في أكثر من موضع ، كما في قوله : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاٍّ نثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِىَ الْمَوْتَى } . .
وكذلك في هذه السورة التنبيه على البعث بقوله : { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ } . .
أما الجانب المعنوي فهو الجانب الإنساني ، وهو المتقدم في قوله : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } ، على ما قدمنا هناك ، من أن النفس البشرية هي مناط التكليف ، وهو الجانب الذي به كان الإنسان إنساناً ، وبهما كان خلقه في أحسن تقويم ، ونال بذلك أعلى درجات التكريم : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىءَادَمَ } . .
والإنسان وإن كان لفظاً مفرداً إلاَّ أنه للجنس بدلالة قوله : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } ، وهذا مثل ما في سورة { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ } ، فباستثناء الجمع منه ، علم أن المراد به الجنس . .
والتأكيد بالقسم المتقدم على خلق الإنسان في أحسن تقويم ، يشعر أن المخاطب منكر لذلك ، مع أن هذا أمر ملموس محسوس ، لا ينكره إنسان . .
وقد أجاب الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب على ذلك : بأن غير المنكر إذا ظهرت عليه علامات الإنكار ، عومل معاملة المنكر ، كقول الشاعر : وقد أجاب الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب على ذلك : بأن غير المنكر إذا ظهرت عليه علامات الإنكار ، عومل معاملة المنكر ، كقول الشاعر : % ( جاء شقيق عارضاً رمحه % وإن بني عمك فيهم رماح ) % .
وأمارات الإنكار على المخاطبين ، إنما هي عدم إيمانهم بالبعث ، لأن العاقل لو تأمل خلق الإنسان ، لعرف منه أن القادر على خلقه في هذه الصورة ، قادر على بعثه . .
وهذه المسألة أفردها الشيخ في سورة الجاثية بتنبيه على قوله تعالى : { وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، وتكرر هذا البحث في عدة مواضع ، وأصرح دلالة على هذا المعنى ما جاء في آخر يس ، { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ