@ 577 @ جاء في أهل بدر ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) مع أنهم لن يفعلوا محرماً بذلك ، ولكنه تكريم لهم ورفع لمنزلتهم . .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يتوب ويستغفر ويقوم الليل حتى تورَّمت قدماه ، وقال : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) . .
فكان كل ذلك منه شكراً للَّه تعالى ، ورفعاً لدرجاته صلى الله عليه وسلم . .
وقد جاء : ( نعم العبد صهيب ، لو لم يخف الله لم يعصه ) ، وهو حسنة من حسناته صلى الله عليه وسلم . .
أو أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتد على نفسه بالتقصير ، ويعتبر ذنباً يستثقله ويستغفر منه ، كما كان إذا خرج من الخلاء قال : ( غفرانك ) . .
ومعلوم أنه ليس من موجب للاستغفار ، إلا ما قيل شعوره بترك الذكر في تلك الحالة ، استوجب منه ذلك . .
وقد استحسن العلماء قول الجنيد : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، أو أن المراد مثل ما جاء في القرآن من بعض اجتهاداته صلى الله عليه وسلم ، وفي سبيل الدعوة ، فيرد اجتهاده فيعظم عليه كقصة ابن أم مكتوم ، وعوتب فيه { عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَآءَهُ الاٌّ عْمَى } ، ونظيرها ولو كان بعد نزول هذه السورة ، إلا أنه من باب واحد كقوله : { عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } ، وقصة أسارى بدر ، وقوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الاٌّ مْرِ شَىْءٌ } ، واجتهاده في إيمان عمه ، حتى قيل له : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } ، ونحو ذلك . فتحمل الآية عليه ، أو أن للوزر بمعناه اللغوي ، وهو ما كان يثقله من أعباء الدعوة ، وتبليغ الرسالة ، كما ذكر ابن كثير في سورة الإسراء عن الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لما كان ليلة أُسري بي فأصبحت بمكة فظعت ، وعرفت أن الناس مكذّبي ، فقعدت معتزلاً حزيناً ، فمرَّ بي أبو جهل ، فجاء حتى جلس إليه ، فقال له كالمستهزىء : هل كان من شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، وقصّ عليه الإسراء ) . .
ففيه التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم فظع ، والفظاعة : ثقل وحزن ، والحزن : ثقل . وتوقع تكذيبهم إياه أثقل على النفس من كل شيء . واللَّه تعالى أعلم .