@ 549 @ عليهم فيه ، بل وقد يستمرؤون الحرام ويستطعمونه . .
كما ذكر لي شخص : أن لصًّا قد كفَّ عن السرقة حياءً من الناس ، وبعد أن كثر ماله وكبر سنه أعطى رجلاً دراهم ليسرق له من زرع جاره ، فذهب الرجل ودار من جهة أخرى وأتاه بثمرة من زرعه هو ، أي زرع اللص نفسه ، فلما أكلها تفلها ، وقال : ليس فيه طعمة المسروق ، فمن أين أتيت به ؟ قال : أتيت به من زرعك ، ألا تستحي من نفسك ، تسرق وعندك ما يغنيك . فخجل وكف . .
وقد جاء عن عمر نقيض ذلك تماماً ، وهو أنه لما طلب من غلامه أن يسقيه مما في شكوته من لبنه ، فلما طعمه استنكر طعمه ، فقال للغلام : من أين هذا ؟ فقال : مررت على إبل الصدقة فحلبوا لي منها ، وها هو ذا ، فوضع عمر إصبعه في فِيه ، واستقاء ما شرب . .
إنها حساسية الحرام استنكرها عمر ، وأحس بالحرام فاستقاءه ، وهذا وذاك بتيسير من الله تعالى ، وصدق صلى الله عليه وسلم ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) . .
ونحن نشاهد في الأمور العادية أصحاب المهن والحرف كل واحد راضٍ بعمله وميسر له ، وهكذا نظام الكون كله ، والذي يهم هنا أن كلاً من الطاعة أو المعصية له أثره على ما بعده . .
تنبيه .
قيل : إن هذه المقارنة بين : من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى ، واقعة بين أبي بكر رضي الله عنه ، وبين غيره من المشركين . .
ومعلوم أن العبرة بعموم اللفظ فهي عامة في كل من أعطى واتقى وصدق ، أو بخل واستغنى وكذب . واللَّه تعالى أعلم . { وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } . رد على من بخل واستغنى ، وما هنا يمكن أن تكون نافية أي لا يغني عنه شيء ، كما في قوله : { مَآ أَغْنَى عَنِّى مَالِيَهْ } وقوله : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ