@ 506 @ ، فقد قسمت هذه الآيات الأمة كلها أمة الدعوة إلى قسمين . .
أما التذكير والإنذار ، إذ قال تعالى : { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى } ، فهذا موقف النَّبي صلى الله عليه وسلم ، وجاء تقسيم الأمة إلى القسمين الآيتين : { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى } : فينتفع بالذكرى وتنفعه ، { وَيَتَجَنَّبُهَا الاٌّ شْقَى } ، فلا تنفعه ولا ينتفع بها ، ثم جاء الحكم بالفلاح : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى } ، أي من يخشى { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } ، ولم يغفل عن ذكر الله تعالى ، وهذا الموقف بنفسه هو المفصل في سورة الحديد ، وفي معرض التوجيه لنا والتوبيخ للأمم الماضية أيضاً { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الاٌّ مَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } . .
فقسوة القلب وطول الأمد والتسويف : هي العوامل الأساسية للغفلة وإيثار الدنيا . والخشية والذكر : هي العوامل الأساسية لإيثار الآخرة ثم عرض الدنيا في حقيقتها بقوله : { اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الاٌّ مْوَالِ وَالاٌّ وْلْادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ } إلى قوله { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } . .
فوصف الداء والدواء معاً في هذا السياق . فالداء : هو الغرور ، والدواء : هو المسابقة إلى مغفرة من الله ورضوانه . .
وقوله : { إِنَّ هَاذَا لَفِى الصُّحُفِ الاٍّ ولَى } ، قيل : اسم الإشارة راجع إلى السورة ، كلها لتضمنها معنى التوحيد والمعاد والذكر والعبادات ، والصحف الأولى : هي صحف إبراهيم وموسى ، على أنها بدل من الأولى . .
وجاء عند القرطبي : أن صحف إبراهيم كانت أمثالاً ، وصحف موسى كانت مواعظ ، وذكر نماذج لها . .
وعند الفخر الرازي من رواية أبي ذر رضي الله عنه ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كم أنزل الله من كتاب ؟ فقال : مائة وأربعة كتب على آدم عشر صحف ، وعلى شئث خمسين صحيفة : وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان ) .