@ 504 @ على قوله تعالى : { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى } . { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } . أسند الفلاح هنا إلى من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ، وفي غير هذه الآية أسند التزكية لمشيئة الله في قوله : { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } ، وفي آية أخرى ، نهى عن تزكية النفس . .
وقد تقدم للشيخ بيان ذلك في سورة النور عند الكلام على قوله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ } على أن زكى بمعنى تطهر من الشكر والمعاصي ، لا على أنه أَخرج الزكاة ، والذي يظهر أن آية النجم إنما نهى فيها عن تزكية النفس لما فيه من امتداحها ، وقد لا يكون صحيحاً كما في سورة الحجرات { قَالَتِ الاٌّ عْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } واللَّه تعالى أعلم . { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا * وَالاٌّ خِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَاذَا لَفِى الصُّحُفِ الاٍّ ولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } . قرىء : تؤثرون بالتاء وبالياء راجعاً إلى { الاٌّ شْقَى الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى } ، وعلى أنها بالتاء للخطاب أعم ، وحيث إن هذا الأمر عام في الأمم الماضية ، ويذكر في الصحف الأولى كلها عامة ، وفي صحف إبراهيم وموسى ، مما يدل على خطورته ، وأنه أمر غالب على الناس . .
وقد جاءت آيات دالة على أسباب ذلك منها الجهل وعدم العلم بالحقائق ، كما في قوله تعالى : { وَمَا هَاذِهِ الْحَيَواةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الاٌّ خِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } ، أي الحياة الدائمة . .
وقد روى القرطبي عن مالك بن دينار قوله : لو كانت الدنيا من ذهب يفنى ، والآخرة من خزف يبقى ، لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى على ذهب يفنى ، فكيف والآخرة من ذهب يبقى والدنيا من خزف يفنى ؟ .
ومن أسباب ذلك أن الدنيا زينت للناس وعجلت لهم كما في قوله : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ