@ 497 @ وعليه بيان شيء منه عند قوله تعالى : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ، بأن مكرهم محاولتهم قتل عيسى ، ومكر الله إلقاء الشبه ، أي شبه عيسى على غير عيسى . .
وتقدم قوله تعالى : { قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } ، وهذا في قصة النمرود ، فكان مكرهم بنيان الصرح ليصعد إلى السماء ، فكان مكر الله بهم أن تركهم حتى تصاعدوا بالبناء ، فأتى الله بنيانهم من القواعد ، فهدمه عليهم . .
وهكذا الكيد هنا ، إنهم يكيدون للإسلام والمسلمين يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم ، واللَّه يكيد لهم بالاستدراج حتى يأتي موعد إهلاكهم ، وقد وقع تحقيقه في بدر ، إذ خرجوا محادة لله ولرسوله ، وفي خيلائهم ومفاخرتهم وكيد الله لهم أن قلل المؤمنين في أعينهم ، حتى طمعوا في القتال ، وأمطر أرض المعركة ، وهم في أرض سبخة ، والمسلمون في أرض رملية فكان زلقاً عليهم وثباتاً للمؤمنين ، ثم أنزل ملائكته لقتالهم . واللَّه تعالى أعلم . { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } . قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب ، ما نصه : هذا الإمهال المذكور هنا ينافيه قوله تعالى : { فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } . .
والجواب : أن الإمهال منسوخ بآيات السيف ا ه . .
وهذا ما يفيده كلام الطبري ، وإن لم يصرح به وهو منصوص القرطبي . ولعل في نفس الآية ما يدل على ذلك وهو قوله : { أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } ، لأن رويداً بمعنى قليلاً ، فقد قيد الإمهال بالقلة مما يشعر بمجيء النسخ وأنه ليس نهائياً . والله تعالى أعلم .