@ 487 @ تعالى شهيد على أفعالهم فلن تخفى عليه خافية . .
وقد جاء بصيغة المبالغة في شهيد ، لما يتناسب مع هذا المقام كما فيه المقابلة بالفعل ، كما كانوا قعودًا على النار وشهودًا على إحراق أولياء الله تعالى ، فإنه سبحانه سيعاملهم بالمثل ، إذ يحرقهم وهو عليهم شهيد . { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ } . يحتمل أن يكون مرادًا به أصحاب الأخدود ، وفتنوا بمعنى أحرقوا ، ويحتمل أن يكون عاماً في كل من أذى المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم ويردوهم عنه بأي أنواع الفتنة والتعذيب . .
وقد رجح الأخير أبو حيان وحمله على العموم أولى ، ليشمل كفار قريش بالوعيد والتهديد ، وتوجيههم إلى التوبة مما أوقعوه بضعفة المؤمنين ، كعمار وبلال وصهيب وغيرهم . .
ويرجح هذا العموم ، العموم الآخر الذي يقابله في قوله : { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاٌّ نْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ } ، فهذا عام بلا خلاف في كل من اتصف بهذه الصفات . { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } . في مقام المنطوق بالمفهوم من العزيز الحميد ، كما تقدم . { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } . قيل : يبدىء الخلق ويعيده ، كالزرع والنبات والإنسان بالمولد والموت ، ثم بالبعث . .
وقيل : يبدأ الكفار بالعذاب ويعيده عليهم ، واستدل لهذا بقوله { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } . .
وفي الحديث : ( ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلاَّ إذا كان يوم القيامة ، بطح لها بقاع قرقر ، ثم يأتي بها أوفر ما تكون سمناً فتطؤه بخفافها فتستن عليه كلما مر عليه أخراها أعيد عليه أولها ، حتى يقضي بين الخلائق فيرى مصيره إما إلى جنة ، وإما إلى نار )