@ 478 @ .
وقد فصل أبو حيان على ما قدمنا ، فقال : إن كان بمعنى الحضور ، فالشاهد الإنسان والمشهود يوم القيامة ، ولما ذكر اليوم الموعود ناسب أن يذكر كل من يشهد في ذلك اليوم ، ومن يشهد عليه ، وذكر نحوًا من عشرين قولاً . وقال : كل له متمسك ، والذي يظهر والله تعالى أعلم : أنه من باب الشهادة لأن ذكر اليوم الموعود وهو يكفي عن اليوم المشهود ، بل إنه يحتاج إلى من يشهد فيه وتقام الشهادة على ما سيعرض فيه لإقامة الحجة على الخلق لا لإثبات الحق . .
وقد جاء في القرآن تعداد الشهود في ذلك اليوم ، مما يتناسب مع العرض والحساب . .
ومجمل ذلك أنها تكون خاصة وعامة وأعم من العامة ، فمن الخاصة شهادة الجوارح على الإنسان كما في قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، وقوله : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ، وهذه شهادة فعل ومقال لا شهادة حال ، كما بينها قوله تعالى عنهم : { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } ، ورد الله زعمهم ذلك بقوله : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الُخَاسِرِينَ } . .
وتقدم للشيخ بيان شهادة الأعضاء في سورة يس وفي سورة النساء عند قوله تعالى : { وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً } ، وشهادة الملائكة وهم الحفظة كما في قوله تعالى : { وَقَالَ قَرِينُهُ هَاذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ } ، وقوله : { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } ، ثم شهادة الرسل كل رسول على أمته ، كما في قوله عن عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم ، { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } ، فهذا وإن كان في الحياة فسيؤديها يوم القيامة . .
وكقوله في عموم الأمم { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنفُسِهِمْ } .