@ 238 @ النُّشُورُ } . الذلول فعول بمعنى مفعول ، وهو مبالغة في الذل . .
تقول : دابة ذلول بينة الذل ، وقيل في معنى تذليل الأرض عدة أقوال لا تنافي بينها ، ومجموعها دائر على تمكين الانتفاع منها عن تسهيل الاستقرار عليها وتثبيتها بالجبال ، كقوله تعالى : { وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَّكُمْ وَلاًّنْعَامِكُمْ } . .
ومن إمكان الزرع فيها كقوله : { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً } إلى قوله أيضاً { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلاًّنْعَامِكُمْ } ، وقد جمع أكثرها في قوله : تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ الاٌّ رْضَ كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً } . .
وكنت أسمع الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول في هذه الآية : إنها من تسخير الله تعالى للأرض أن جعلها كفاتاً للإنسان في حياته بتسهيل معيشته منها وحياته على ظهرها ، فإذا مات كانت له أيضاً كفاتاً بدفنه فيها . .
ويقول : لو شاء الله لجعلها حديداً ونحاساً فلا يستطيع الإنسان أن يحرث فيها ولا يحفر ولا يبني ، وإذا مات لا يجد مدفناً فيها . .
ومما يشير إلى هذه المعاني كلها قوله تعالى : { فَامْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ } لترتبه على ما قبله بالفاء ، أي بسبب تذليلها بتيسير المشي في أرجائها ، وطلب الرزق في أنحائها بالتسبب فيها من زراعة وصناعة وتجارة إلخ . .
والأمر في قوله تعالى : { فَامْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ } للإباحة . ولكن التقديم لهذا الأمر بقوله تعالى : { هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاٌّ رْضَ ذَلُولاً } فيه امتنان من الله تعالى على خلقه مما يشعر أن في هذا الأمر مع الإباحة توجيهاً وحثاً للأمة على السعي والعمل والجد ، والمشي في مناكب الأرض من كل جانب لتسخيرها وتذليلها ، مما يجعل الأمة أحق بها من غيرها . .
كما قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى الاٌّ رْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } .