@ 235 @ كما جاء في حق فرعون في قوله تعالى : { حَتَّى إِذَآ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِاهَ إِلاَّ الَّذِىءَامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرَاءِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ، فقيل له : { ءَاأنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } . .
وجاء أصرح ما يكون في قوله : { يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا } . .
فلما جاء بعض آيات الله وظهر الحق ، لم يكن للإيمان محل بعد المعاينة { لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا } أي من قبل المعاينة كحالة فرعون المذكورة ، لأن حقيقة الإيمان التصديق بالمغيبات ، فإذا عاينها لم تكن حينذاك غيباً ، فيفوت وقت الإيمان والعلم عند الله ، وعليه حديث التوبة : ما لم يغرغر . قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } . والخشية : شدة الخوف ، كما قال تعالى : { الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } . .
وبين تعالى محل تلك الخشية في قوله : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } لأنهم يعرفون حق الله تعالى ويراقبونه . .
وقد بين تعالى حقيقة خشية الله : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } . .
وقوله : { لَوْ أَنزَلْنَا هَاذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } . .
فالذين يخشون ربهم بالغيب هم الذين يعرفون حق الله عليهم ومراقبته إياهم في السر والعلن ، ويعلمون أنه مطلع عليهم مهما تخسفوا وتستروا وهم دائماً منيبون إلى الله ، كما في قوله : { هَاذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَّنْ خَشِىَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } ، وهذه أعلى درجات السلوك مع الله تعالى ، كما بين أنها منزلة العلماء . .
وقد عاب تعالى أولئك الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله ، ويخشون