@ 196 @ قول : إن العبد مجبور على عمله لا اختيار له كالورقة في مهب الريح . .
وبين قول : إن العبد يخلق فعله بنفسه ويفعل ما يريد بمشيئته . .
وأهل السنة يقولون بقوله تعالى : { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } . .
وقد ذكر القرطبي أقوال الطائفتين من أهل العلم ، ولكل طائفة ما استدلت به ، الأولى عن ابن مسعود أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً ، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً ) . .
بما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لم يبق بينه وبينها إلا ذراع أو باع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) . .
وقال : قال علماؤنا : تعلق العلم الأزلي بكل معلوم . فيجري ما علم وأراد وحكم . .
الثانية ما جاء في قوله : وقال جماعة من أهل العلم : إنَّ الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا . قالوا : وتمام الكلام : وهو الذي خلقكم ، ثم وصفهم فقال : { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } . .
وكقوله تعالى : { وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ } ، قالوا فالله خلقهم والمشي فعلهم . .
واختاره الحسين بن الفضل ، قال : لأنه لو خلقهم كافرين ومؤمنين لما وصفهم بفعلهم ، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم ( كل مولود يولد على الفطرة ) الحديث ا ه . .
وبالنظر في هاتين المقالتين نجد الآتي : .
أولاً : التشبيه في المقالة الثانية لا يسلم ، لأن وصف الدواب في حالة المشي ليس وصفاً فعلياً ، وإنما هو من ضمن خلقه تعالى لها ولم يكن منها فعل في ذلك . .
ثانياً : ما استدلت به كل طائفة من الحديثين لا تعارض بينهما ، لأن الحديث الأول ، ( إن أحدكم ليعمل ) لبيان المصير والمنتهى ، وفق العلم الأزلي والإرادة القدرية .