@ 105 @ مَسْئُولاً } . .
ففي الآية الأولى تمنوا نزول سورة يؤذن فيها بالقتال ، فلما نزلت صار مرضى القلوب كالمغشي عليه من الموت . .
وفي الثانية : قيل لهم كفوا أيديكم عن القتال ، فتمنوا الإذن لهم فيه ، فلما كتب عليهم رجعوا وتمنوا لو أخرجوا إلى أجل قريب . .
وفي الثالثة : أعطوا العهود على الثبات وعدم التولي ، وكان عهد الله مسؤولاً ، فلما كان في أحد وقع ما وقع وكذلك في حنين ، ويشهد لهذا أيضاً قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ ياأَهْلَ . يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لاّتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الاٌّ دْبَارَ } . .
ففي هذا السياق بيان لعتابهم على نقض العهد ، وهو معنى : لم تقولون ما لا تفعلون سواء بسواء ، ويقابل هذا أن الله تعالى امتدح طائفة أخرى منهم حين أوفوا بالعهد وصدقوا ما عاهدوا الله عليه في قوله تعالى : { مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } . .
ثم بين الفرق بين الفريقين بقوله بعدها { لِّيَجْزِىَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } ، وذلك في غزوة الأحزاب . .
فتبين بهذا أن الفعل المغاير للقول هنا هو عدم الوفاء بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم من قبل فاستوجبوا العتاب عليه ، كما تبين أن الذين وفوا بالعهد استوجبوا الثناء على الوفاء ، وقد استدل بالآية من عموم لفظها على الإنكار على كل من خالف قوله فعله ، سواء في عهد أو وعد أو أمر أو نهي . .
ففي الأمر والنهي كقوله تعالى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ } . .
وكقوله عن نبي الله شعيب لقومه : { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } .