@ 94 @ ويفاوض في أسارى له ، فيأذن لهم صلى الله عليه وسلم ، ويستمع مفاخرتهم ويأمر من يرد عليهم من المسلمين ، وفي النهاية يسلمون ويجيزهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجوائز ، وهذا أقوى دليل على عدم النسخ ، لأن وفداً يأتي متحدياً مفاخراً لكنه لم يقاتل ولم يظاهر على إخراجهم من ديارهم ، وجاء في أمر جار في عرف العرب فجاراهم فيه صلى الله عليه وسلم بعد أن أعلن لهم أنه ما بالمفاخرة بُعث ، ولكن ترفقاً بهم ، وإحساناً إليهم ، وتأليفاً لقلوبهم ، وقد كان فأسلموا ، وهذا ما تعطيه جميع الأقوال التي قدمناها . .
وقد بحث إمام المفسرين الطبري هذه المسألة من نواحي النقل وأخيراً ختم بحثه بقوله ما نصه : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال عنى بذلك قوله تعالى : { لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ } من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم إن الله عز وجل عم بقوله : { الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } جميع من كان ذلك صفته فلم يخصص به بعضاً دون بعض ، ولا معنى لقول من قال : ذلك منسوخ ، لأن بر المؤمنين من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب أو ممن لا قرابة بينه ولا نسب غير محرم ولا منهي عنه ، إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام ، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح . .
وقد بينا صحة ما قلنا في ذلك الخبر الذي ذكرناه عن الزبير في قصة أسماء وأمها . .
وقوله : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } ، يقول إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم ، فيبرون من برهم ، ويحسنون إلى من أحسن إليهم . انتهى منه . .
وفي تفسير آيات الأحكام للشافعي رحمه الله مبحث هام نسوقه أيضاً بنصه لأهميته : .
قال الله عز وجل : { لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ } . قال : يقال : والله أعلم إن بعض المسلمين تأثر من صلة المشركين أحسب ذلك لما نزل فرض جهادهم وقطع الولاية بينهم وبينهم ونزل { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاٌّ خِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ، فلما خافوا أن تكون المودة الصلة بالمال أنزل { لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } ، { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ