@ 84 @ { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } . قوله تعالى : { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } . الأرحام تستعمل في القرآن لعموم القرابة ، كقوله تعالى : { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } ، وقوله تعالى : { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } أي بتقطع الأنساب بينهم ، كما بينه تعالى بقوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } . .
وقد بين تعالى نتيجة هذا الفصل بينهم يوم القيامة في قوله تعالى { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ، وقوله في موضع آخر : { وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِى تُأوِيهِ } ، فعمت جميع الأقارب وبينت سبب الفصل بينهم ، وما يترتب عليه . .
وهذه الآية خطاب للمؤمنين في ذوي أرحامهم من المشركين ، كما في قصة سبب النزول في أمر حاطب بن أبي بلتعة في إرساله الخطاب لأهل مكة قبيل الفتح بأمر التجهز لهم . .
ومفهوم الوصف في أول السياق عدوي وعدوّكم ، وقد كفروا بما جاءكم من الحق ، يدل بمفهوم المخالفة أن أولى الأرحام من المؤمنين قد لا يفصل بينهم يوم القيامة . .
ويدل لهذا المفهوم قوله تعالى : { وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ } ، وقوله تعالى في دعاء الملائكة من حملة العرش للمؤمنين : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } . .
وهذه الآية بيان واضح في أن روابط الدين أقوى وألزم من روابط النسب . .
وهذا المعنى بالذات تقدم للشيخ رحمة الله تعالى عليه ، الكلام عليه عند قوله تعالى : { إِنَّ هَاذَا الْقُرْءَانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } والآية الآتية بيان واضح لحقيقة هذا المعنى وشموله في جميع الأمم .