@ 4 @ الحديد . .
قال أبو حيان عندها : لما أمر الله تعالى الخلق بالتسبيح في آخر سورة الواقعة ، يعني في قوله تعالى : { إِنَّ هَاذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } جاء في أول السورة التي تليها مباشرة بالفعل الماضي ، ليدل على أن التسبيح المأمور به قد فعله . والتزم به كل ما في السماوات والأرض ا ه . .
ومعلوم أن الفعل قد جاء أيضاً بصيغة المضارع كما في آخر هذه السورة : { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ، وفي أول سورة الجمعة : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الاٌّ رْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } ، وفي أول سورة التغابن : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الاٌّ رْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } ، وهذه الصيغة تدل على الدوام والاستمرار . .
بل جاء الفعل بصيغة الأمر : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاّعْلَى } ، { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } . .
وجاءت المادة بالمصدر : { سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } ، { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } ، ليدل ذلك كله بدوام واستمرار التسبيح لله تعالى من جميع خلقه ، كما سبح سبحانه نفسه ، وسبحته ملائكته ورسله ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه . .
وما في قوله تعالى : { مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الاٌّ رْضِ } من صيغ العموم ، وأصل استعمالها لغير العقلاء ، وقد تستعمل للعاقل إذا نزل غير العاقل ، كما في قوله تعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ } ، ومجيؤها هنا لغير العاقل تغليباً له لكثرته كما تقدم ، فتكون شاملة للعاقل من باب أولى . .
ومما يلفت النظر أن التسبيح الذي في معرض العموم كله في القرآن مسند إلى ( ما ) دون ( من ) إلا في موضع واحد ، هو قوله تعالى : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالاٌّ رْضُ وَمَن فِيهِنَّ } ، وهذا شاهد على شمول ( ما ) وعمومها المتقدم ذكرها ، لأنه سبحانه أسند التسبيح أولاً إلى السماوات السبع والأرض صراحة بذواتهن ، وهن من غير العقلاء بما في كل منهن من أفلاك وكواكب وبروج ، أو جبال ووهاد وفجاج ، ثم عطف