@ 541 @ من الخلق وأن تسبيح السموات ونحوها من الجمادات يعلمه الله ونحن لا نفقهه أي لا نفهمه ، وذلك في قوله تعالى : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالاٌّ رْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } وهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن تسبيح الجمادات المذكور فيها وفي قوله تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ } ونحو ذلك تسبيح حقيقي يعلمه الله ونحن لا نعلمه . .
والآية الكريمة فيها الرد الصريح ، على من زعم من أهل العلم ، أن تسبيح الجمادات هو دلالة إيجادها على قدرة خالقها ، لأن دلالة الكائنات على عظمة خالقها ، يفهمها كل العقلاء ، كما صرح الله تعالى بذلك في قوله { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ } إلى قوله { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } وأمثال ذلك من الآيات كثيرة في القرآن . .
وقد قدمنا إيضاح هذا في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى : { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالاٌّ صَالِ } وفي سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى : { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } ، وفي سورة الأحزاب في الكلام على قوله تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا الاٌّ مَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } وفي غير ذلك من المواضع . .
وقد عبر تعالى هنا في أول الحديد بصيغة الماضي في قوله : { سَبَّحَ للَّهِ } ، وكذلك هو الحشر ، والصف ، وعبر في الجمعة والتغابن ، وغيرهما بقوله : { يُسَبِّحُ } بصيغة المضارع . .
قال بعض أهل العلم : إنما عبر بالماضي تارة وبالمضارع أخرى ليبين أن ذلك التسبيح لله ، هو شأن أهل السموات وأهل الأرض ، ودأبهم في الماضي والمستقبل ذكر معناه الزمخشري وأبو حيان . .
وقوله : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } قد قدمنا معناه مراراً وذكرنا أن العزيز ، هو الغالب الذي لا يغلبه شيء ، وأن العزة هي الغلبة ، ومنه قوله : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ } وقوله : وعزني في الخطاب : أي غلبني في الخصام ، ومن أمثال العرب من عز بز ، يعنون من غلب استلب ، ومنه قول الخنساء