@ 534 @ .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كونه تعالى . لو شاء لجعل الماء غير صالح للشراب ، جاء معناه في آيات أخر كقوله تعالى { قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } وقوله تعالى { وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِى الاٌّ رْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } لأن الذهاب بالماء وجعله غوراً لم يصل إليه وجعله أجاجاً ، كل ذلك في المعنى سواء بجامع عدم تأتي شرب الماء ، وهذه الآيات المذكورة تدل على شدة حاجة الخلق إلى خالقهم كما ترى . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { أَءَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ } يدل على أن جميع الماء الساكن في الأرض النابع من العيون والآبار ونحو ذلك ، أن أصله كله نازل من المزن ، وأن الله أسكنه في الأرض وخزنه فيها لخلقه . .
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى { وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِى الاٌّ رْضِ } وقوله تعالى { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى الاٌّ رْضِ } وقد قدمنا هذا في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى { فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } وفي سورة سبأ في الكلام على قوله تعالى { يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِى الاٌّ رْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } فلولا بمعنى هلا ، وهي حرف تحضيض ، وهو الطلب بحث وحض والمعنى أنهم يطلب منهم شكر هذا المنعم العظيم بحث وحض . .
واعلم أن الشكر يطلق من العبد لربه ومن الرب لعبده . .
فشكر العبد لربه ، ينحصر معناه في استعماله جميع نعمه فيما يرضيه تعالى ، فشكر نعمة العين ألا ينظر بها إلا ما يرضي من خلقها ، وهكذا في جميع الجوارح ، وشكر نعمة المال أن يقيم فيه أوامر ربه ويكون مع ذلك شاكر القلب واللسان ، وشكر العبد لربه جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى هنا : { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } وقوله تعالى { وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة . .
وأما شكر الرب لعبده فهو أن يثيبه الثواب الجزيل من عمله القليل ، ومنه قوله تعالى { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } وقوله تعالى { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ