@ 532 @ وأحلنا عليها مراراً . .
تنبيه .
اعلم أنه يجب على كل إنسان أن ينظر في هذا البرهان الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، لأن الله جل وعلا وجه في كتابه صيغة أمر صريحة عامة في كل ما يصدق عليه مسمى الإنسان بالنظر في هذا البرهان العظيم المتضمن للامتنان ، لأعظم النعم على الخلق ، وللدلالة على عظم الله وقدرته على البعث وغيره ، وشدة حاجة خلقه إليه مع غناه عنهم ، وذلك قوله تعالى : { فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ } { ثُمَّ شَقَقْنَا الاٌّ رْضَ شَقّاً فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَآئِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلاًّنْعَامِكُمْ } . والمعنى : انظر أيها الإنسان الضعيف إلى طعامك كالخبز الذي تأكله ولا غنى لك عنه ، من هو الذي خلق الماء الذي صار سبباً لإنباته هل يقدر أحد غير الله على خلق الماء ؟ أي إبرازه من أصل العدم إلى الوجود . ثم هب أن الماء خلق ، هل يقدر أحد غير الله أن ينزله على هذا الأسلوب الهائل العظيم الذي يسقى به الأرض من غير هدم ولا غرق ؟ ثم هب أن الماء نزل في الأرض من هو الذي يقدر على شق الأرض عن مسار الزرع ؟ ثم هب أن الزرع طلع ، فمن هو الذي يقدر على إخراج السنبل منه ؟ ثم هب أن السنبل خرج منه ، فمن هو الذي يقدر على إنبات الحب فيه وتنميته حتى يدرك صالحاً للأكل ؟ { انْظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِى ذالِكُمْ لاٌّ يَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، والمعنى : انظروا إلى الثمر وقت طلوعه ضعيفاً لا يصلح للأكل ، وانظروا إلى ينعه ، أي انظروا إليه بعد أن صار يانعاً مدركاً صالحاً للأكل ، تعلموا أن الذي رباه ونماه حتى صار كما ترونه وقت ينعه قادر على كل شيء منعم عليكم عظيم الأنعام ، ولذا قال : { إِنَّ فِى ذالِكُمْ لاٌّ يَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، فاللازم أن يتأمل الإنسان وينظر في طعامه ويتدبر قوله تعالى : { ثُمَّ شَقَقْنَا الاٌّ رْضَ } أي عن النبات شقاً إلى آخر ما بيناه . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } يعني لو نشاء تحطيم ذلك الزرع لجعلناه حطاماً ، أي فتاتاً وهشيماً ، ولكنا لم نفعل ذلك رحمة بكم ، ومفعول فعل المشيئة محذوف للاكتفاء عنه بجزاء الشرط ، وتقديره كما ذكرنا ، وقوله : { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } .