@ 528 @ هذا مراراً ، وقوله تعالى : { أَفَرَءَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } يعني أفرأيتم ما تصبونه من المني في أرحام النساء ، فلفظة ما موصولة ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، والعائد إلى الصفة محذوف ، لأنه منصوب بفعل ، والتقدير : أفرأيتم ما تمنونه ، والعرب تقول : أمنى النطفة بصيغة الرباعي ، يمنيها بضم حرف المضارعة ، إذا أراقها في رحم المرأة ، ومنه قوله تعالى : { مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } ومنى يمنى بصيغة الثلاثي لغة صحيحة . إلا أن القراءة بها شاذة . .
وممن قرأ تمنون بفتح التاء مضارع في الثلاثي المجرد ، أبو السمال وابن السميقع ، وقوله تعالى : { أَءَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ } استفهام تقرير ، فإنهم لا بد أن يقولوا : أنتم الخالقون ، فيقال لهم : إذا كنا خلقنا هذا الإنسان الخصيم المبين من تلك النطفة التي تمنى في الرحم ، فكيف تكذبون بقدرتنا على خلقه مرة أخرى ، وأنتم تعلمون أن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من الابتداء ، والضمير المنصوب في تخلقونه عائد إلى الموصول أي تخلقون ما تمنونه من النطف علقاً ، ثم مضغاً إلى آخر أطواره . .
وهذا الذي تضمنته هذه الآية من البراهين القاطعة على كمال قدرة الله على البعث وغيره ، وعلى أنه المعبود وحده ، ببيان أطوار خلق الإنسان ، جاء موضحاً في آيات أخر ، وقد قدمنا الكلام على ذلك مستوفىً بالآيات القرآنية ، وبينا ما يتعلق بكل طور من أطواره من الأحكام الشرعية في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : { ياأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } . .
وذكرنا أطوار خلق الإنسان في سورة الرحمان أيضاً في الكلام على قوله تعالى : { خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ } وفي غير ذلك من المواضع . .
وبينا الآيات الدالة على أطوار خلقه جملة وتفصيلاً في الحج . .
تنبيه .
هذا البرهان الدال على البعث الذي هو خلق الإنسان من نطفة مني تمنى ، يجب على كل إنسان النظر فيه ، لأن الله جل وعلا وجه صفة الأمر بالنظر فيه إلى مني الإنسان ، والأصل في صيغة الأمر على التحقيق الوجوب إلا لدليل صارف عنه ، وذلك في قوله تعالى : { فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } ، وقد قدمنا