@ 506 @ هذا الكتاب المبارك ، ومن ذلك هذه الآية الكريمة . .
وإيضاح ذلك أن هذه الآية الكريمة فيها وجهان معروفان عند العلماء ، كلاهما يشهد له قرآن : .
أحدهما : أن المراد بقوله : { مَقَامَ رَبِّهِ } : أي قيامه بين يدي ربه ، فالمقام اسم مصدر بمعنى القيام ، وفاعله على هذا الوجه هو العبد الخائف ، وإنما أضيف إلى الرب لوقوعه بين يديه ، وهذا الوجه يشهد له قوله تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى } ، فإن قوله : { وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } : قرينة دالة على أنه خاف عاقبة الذنب حين يقوم بين يدي ربه ، فنهى نفسه عن هواها . .
والوجه الثاني : أن فاعل المصدر الميمي الذي هو المقام ، هو الله تعالى : أي خاف هذا العبد قيام العبد قيام الله عليه ومراقبته لأعماله وإحصائها عليه ، ويدل لهذا الوجه الآيات الدالة على قيام الله على جميع خلقه وإحصائه عليهم أعمالهم كقوله تعالى : { اللَّهُ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ } ، وقوله تعالى : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } . إلى غير ذلك من الآيات . .
وقد قدمنا في سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى في شأن الجن : { ياقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِىَ اللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } ، أن قوله : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } ، وتصريحه بالامتنان بذلك على الإنس والجن في قوله { فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ، نص قرآني على أن المؤمنين الخائفين مقام ربهم من الجن يدخلون الجنة . قوله تعالى : { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } . قد بينا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } جميع الآيات القرآنية الدالة على تنعم أهل الجنة بالسندس والإستبرق ، والحلية بالذهب والفضة ، وبينا أن جميع ذلك يحرم على ذكور هذه الأمة في دار الدنيا . قوله تعالى : { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } .