@ 413 @ .
وقد نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن السخرية من الناس ، مبيناً أن المسخور منه قد يكون خيراً من الساخر . .
ومن أقبح القبيح استخفاف الدنيء الأرذل بالأكرم الأفضل ، واستهزاؤه به . .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن السخرية جاء ذم فاعله وعقوبته عند الله في غير هذا الموضع ، كقوله تعالى : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . .
وقد بين تعالى أن الكفار المترفين في الدنيا كانوا يسخرون من ضعاف المؤمنين في دار الدنيا ، وأن أولئك يسخرون من الكفار يوم القيامة ، كما قال تعالى : { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } إلى قوله تعالى : { فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الاٌّ رَآئِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } . .
فلا ينبغي لمن رأى مسلماً في حالة رثة تظهر بها عليه آثار الفقر والضعف أن يسخر منه لهذه الآيات التي ذكرنا . قوله تعالى : { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } . أي لا يلمز أحدكم أخاه كما تقدم إيضاحه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : { إِنَّ هَاذَا الْقُرْءَانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } . .
وقد أوعد الله جل وعلا الذين يلمزون الناس في قوله تعالى : { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } ، والهمزة كثير الهمز للناس ، واللمزة كثير اللمز . .
قال بعض العلماء : الهمز يكون بالفعل كالغمز بالعين احتقاراً وازدراء ، واللمز باللسان ، وتدخل فيه الغيبة . .
وقد صرح الله تعالى بالنهي عن ذلك في قوله : { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } ونفر عنه غاية التنفير في قوله تعالى : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } فيجب على المسلم أن يتباعد كل التباعد من الوقوع في عرض أخيه .