@ 411 @ .
وصرح تعالى في موضع آخر بالنهي عن قبول شهادة الفاسق ، وذلك في قوله : { وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ولا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق وعدم قبول خبره . .
وقد دلت هذه الآية من سورة الحجرات على أمرين : .
الأول منهما : أن الفاسق إن جاء بنبإ ممكن معرفة حقيقته ، وهل ما قاله فيه الفاسق حق أو كذب فإنه يجب فيه التثبت . .
والثاني : هو ما استدل عليه بها أهل الأصول من قبول خبر العدل لأن قوله تعالى : { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ } بدل بدليل خطابه ، أعني مفهوم مخالفته أن الجائي بنبإ إن كان غير فاسق بل عدلاً لا يلزم التبين في نبئه على قراءة : فتبينوا . ولا التثبت على قراءة : فتثبتوا ، وهو كذلك . .
وأما شهادة الفاسق فهي مردودة كما دلت عليه آية النور المذكورة آنفاً . .
وقد قدمنا معنى الفسق وأنواعه في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك . .
وقوله { أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا } أي لئلا تصيبوا قوماً ، أو كراهة أن تصيبوا قوماً بجهالة ، أي لظنكم النبأ الذي جاء به الفاسق حقاً فتصبحوا على ما فعلتم من إصابتكم للقوم المذكورين نادمين لظهور كذب الفاسق فيما أنبأ به عنهم ، لأنهم لو لم يتبينوا في نبإ الوليد عن بني المصطلق لعاملوهم معاملة المرتدين ؟ ولو فعلوا ذلك لندموا . .
وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير حمزة والكسائي : فتبينوا بالباء التحتية الموحدة بعدها مثناة تحتية مشددة ثم نون . وقرأه حمزه والكسائي : فتثبتوا بالثاء المثلثة بعدها ياء تحتية موحدة مشددة ثم تاء مثناة فوقية . .
والأول من التبين ، والثاني من التثبت . .
ومعنى القراءتين واحد ، وهو الأمر بالتأني وعدم العجلة حتى تظهر الحقيقة فيما أنبأ به الفاسق .