@ 220 @ أظهر أقوال العلماء في هذه الآية الكريمة ، أن الكافرين الذين قالوا للمؤمنين لو كان خيراً ما سبقونا إليه ، أنهم كفار مكة ، وأن مرادهم أن فقراء المسلمين ، وضعفاءهم كبلال وعمار وصهيب وخباب ونحوهم ، أحقر عند الله من أن يختار لهم الطريق التي فيها الخير . .
وأنهم هم الذين لهم عند الله عظمة وجاه واستحقاق السبق لكل خير لزعمهم أن الله أكرمهم في الدنيا بالمال والجاه ، وأن أولئك الفقراء لا مال لهم ولا جاه ، وأن ذلك التفضيل في الدنيا يستلزم التفضيل في الآخرة . .
وهذا المعنى الذي استظهرناه في هذه الآية الكريمة تدل له آيات كثيرة من كتاب الله ، وخير ما يفسر به القرآن القرآن . .
أما ادعاؤهم أن ما أعطوا من المال ، والأولاد والجاه ، في الدنيا دليل على أنهم سيعطون مثله في الآخرة ، وتكذيب الله لهم في ذلك ، فقد جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } ، وقوله تعالى { أَفَرَأَيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِأايَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَانِ عَهْداً كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً } . وقوله تعالى { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } مع قوله { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى } . وقوله تعالى : { وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَى رَبِّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } . .
وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّى لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } . .
وأما احتقار الكفار لضعفاء المؤمنين وفقرائهم ، وزعمهم أنهم أحقر عند الله ، من أن يصيبهم بخير ، وإنما هم عليه لو كان خيراً لسبقهم إليه أصحاب الغنى ، والجاه والولد ، من الكفار فقد دلت عليه آيات أخر كقوله تعالى في الأنعام : { وَكَذالِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَاؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } . .
فهمزة الإنكار في قوله : أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ، تدل على إنكارهم أن الله يمن على أولئك الضعفاء بخير .