@ 32 @ أن نفي المبالغة ، لا يستلزم نفي الفعل من أصله . .
فقولك مثلاً : زيد ليس بقتال للرجال لا ينفي إلا مبالغته في قتلهم ، فلا ينافي أنه ربما قتل بعض الرجال . .
ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة ، في الآيات المذكورة هو نفي الظلم من أصله . .
والجواب عن هذا الإشكال من أربعة أوجه : .
الأول : أن نفي صيغة المبالغة في الآيات المذكورة ، قد بينت آيات كثيرة ، أن المراد به نفي الظلم من أصله . .
ونفي صيغة المبالغة ، إذا دلت أدلة منفصلة على أن يراد به نفي أصل الفعل ، فلا إشكال لقيام الدليل على المراد . .
والآيات الدالة على ذلك كثيرة معروفة ، كقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } . وقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَاكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } . وقوله تعالى : { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } . وقوله تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } . إلى غير ذلك من الآيات كما قدمنا إيضاحه في سورة الكهف والأنبياء . الوجه الثاني : أن الله جل وعلا نفى ظلمه للعبيد ، والعبيد في غاية الكثرة . .
والظلم المنفي عنهم تستلزم كثرتهم كثرته ، فناسب ذلك الإتيان بصيغة المبالغة للدلالة على كثرة المنفي التابعة لكثرة العبيد ، المنفي عنهم الظلم ، إذ لو وقع على كل عبد ظلم ولو قليلاً ، كان مجموع ذلك الظلم في غاية الكثرة ، كما ترى . .
وبذلك تعلم اتجاه التعبير بصيغة المبالغة ، وأن المراد بذلك نفي أصل الظلم ، عن كل عبد من أولئك العبيد ، الذين هم في غاية الكثرة ، سبحانه وتعالى عن أن يظلم أحداً شيئاً ، كما بينته الآيات القرآنية المذكورة . .
وفي الحديث : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ) الحديث . .
الوجه الثالث : أن المسوغ لصيغة المبالغة ، أن عذابه تعالى بالغ من العظم والشدة ، أنه لولا استحقاق المعذبين لذلك العذاب بكفرهم ، ومعاصيهم لكان معذبهم به ظلاماً بليغ