@ 292 @ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } ، وذكرنا حديث جرير وأبي هريرة ، في صحيح مسلم في إيضاح ذلك . .
ومن الآيات الدالَّة على مؤاخذة الإنسان بما عمل به بعده مما سنّه من هدى أو ضلالة ، قوله تعالى : { يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } ، بناء على أن المعنى { بِمَا قَدَّمَ } : مباشرًا له ، { وَأَخَّرَ } : مما عمل به بعده مما سنّه من هدى أو ضلال ، وقوله تعالى : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } ، على القول بذلك . .
وأمّا على التفسير الثاني : وهو أن معنى { ءاثَارِهِمْ } : خطاهم إلى المساجد ونحوها ، فقد جاء بعض الآيات دالاًّ على ذلك المعنى ؛ كقوله تعالى : { وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } ، لأن ذلك يستلزم أن تكتب لهم خطاهم التي قطعوا بها الوادي في غزوهم . .
وأمّا الرابع : وهو قوله تعالى : { وَكُلَّ شىْء أَحْصَيْنَاهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ } ، فقد تدلّ عليه الآيات الدالَّة على الأَمر الثاني ، وهو كتابة جميع الأَعمال التي قدّموها بناء على أن المراد بذلك خصوص الأعمال . .
وأمّا على فرض كونه عامًّا ، فقد دلَّت عليه آيات أُخر ؛ كقوله تعالى : { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْء عَدَداً } ، وقوله تعالى : { مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن * شَىْء } ، بناء على أن المراد بالكتاب اللّوح المحفوظ ، وهو أصحّ القولين ، والعلم عند اللَّه تعالى . { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرَّحْمَانُ مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } . قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة ( بني إسرائيل ) ، في الكلام على قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً } . .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة عن الكفّار : { وَمَا أَنَزلَ الرَّحْمَانُ مِن شَىْء إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } ، قد بيَّن أنهم قد قالوا ذلك في غير هذا الموضع ؛ كقوله تعالى : { كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُواْ بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ