@ 288 @ .
وبيَّنا بالسنّة الصحيحة في أوّل سورة ( الحجّ ) : أن نصيب النار من الألف تسعة وتسعون وتسعمائة ، وأن نصيب الجنّة منها واحد . { إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْناقِهِمْ أَغْلَالاً فَهِىَ إِلَى الاٌّ ذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } . الأَغلال : جمع غلّ وهو الذي يجمع الأيدي إلى الأعناق . والأذقان : جمع ذقن وهو ملتقى اللحيين . والمقمح بصيغة اسم المفعول ، وهو الرافع رأسه . والسدّ بالفتح والضمّ : هو الحاجز الذي يسدّ طريق الوصول إلى ما وراءه . .
وقوله : { فَأغْشَيْنَاهُمْ } ، أي : جعلنا على أبصارهم الغشاوة ، وهي الغطاء الذي يكون على العين يمنعها من الإبصار ، ومنه قوله تعالى : { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } ، وقوله تعالى : { وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } ، وقول الشاعر وهو الحارث بن خالد بن العاص : وقوله : { فَأغْشَيْنَاهُمْ } ، أي : جعلنا على أبصارهم الغشاوة ، وهي الغطاء الذي يكون على العين يمنعها من الإبصار ، ومنه قوله تعالى : { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } ، وقوله تعالى : { وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } ، وقول الشاعر وهو الحارث بن خالد بن العاص : % ( هويتك إذ عيني عليها غشاوة % فلمّا انجلت قطّعت نفسي ألومها ) % .
والمراد بالآية الكريمة : أن هؤلاء الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة في علم اللَّه المذكورين في قوله تعالى : { لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } ، صرفهم اللَّه عن الإيمان صرفًا عظيمًا مانعًا من وصوله إليهم ؛ لأن من جعل في عنقه غلّ ، وصار الغلّ إلى ذقنه ، حتى صار رأسه مرفوعًا لا يقدر أن يطأطئه ، وجعل أمامه سدّ ، وخلفه سدّ ، وجعل على بصره الغشاوة لا حيلة له في التصرّف ، ولا في جلب نفع لنفسه ، ولا في دفع ضرّ عنها ، فالذين أشقاهم اللَّه بهذه المثابة لا يصل إليهم خير . .
وهذا المعنى الذي دلَّت عليه هذه الآية الكريمة من كونه جلَّ وعلا يصرف الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة في علمه عن الحق ويحول بينهم وبينه ، جاء موضحًا في آيات كثيرة ؛ كقوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِئَايِاتِ رَبّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا } ، وقوله تعالى : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } ، وقوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَاهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } ، وقوله تعالى : { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَاء } ، وقوله تعالى : { وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ *