@ 314 @ رجوعه للجميع أو لبعضها ، دون بعض . وربما دل الدليل على عدم رجوعه للأخيرة التي تليه . وإذا كان الاستثناء ربما كان راجعاً لغير الجملة الأخيرة التي تليه ، تبين أنه لا ينبغي الحكم برجوعه إلى الجميع إلا بعد النظر في الأدلة . ومعرفة ذلك منها ، وهذا القول الذي هو الوقف عن رجوع الاستثناء إلى الجميع أو بعضها المعين ، دون بعض ، إلا بدليل مروي عن ابن الحاجب من المالكية ، والغزالي من الشافعية ، والآمدي من الحنابلة ، واستقراء القرآن يدل على أن هذا القول هو الأصح ، لأن الله يقول { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } وإذا رددنا هذه المسألة إلى الله ، وجدنا القرآن دالاً على صحة هذا القول ، وبه يندفع أيضاً استدلال داود . .
فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } فالاستثناء راجع للدية ، فهي تسقط بتصدق مستحقها بها ، ولا يرجع لتحرير الرقبة قولاً واحداً ، لأن تصدق مستحق الدية بها لا يسقط كفارة القتل خطأ ، ومنها قوله تعالى : { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ } فالاستثناء لا يرجع لقوله { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } لأن القاذف إذا تاب لا تسقط توبته حد القذف . .
وما يروى عن الشعبي من أنها تسقطه ، خلاف التحقيق الذي هو مذهب جماهير العلماء ومنها قوله تعالى : { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } . .
فالاستثناء في قوله : { إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ } لا يرجع قولاً واحداً ، إلى الجملة الأخيرة ، التي تليه أعني قوله تعالى : { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } لأنه لا يجوز اتخاذ ولي ولا نصير من الكفار أبداً ، ولو وصلوا إلى قوم بينكم ، وبينهم ميثاق ، بل الاستثناء راجع للأخذ والقتل في قوله : { فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ } والمعنى : فخذوهم بالأسر واقتلوهم إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم ، وبينهم ميثاق ، فليس لكم أخذهم بأسر ، ولا قتلهم ، لأن الميثاق الكائن لمن وصلوا إليهم يمنع من أسرهم ، وقتلهم كما اشترطه هلال بن عويمر الأسلمي في صلحه مع النَّبي صلى الله عليه وسلم كما ذكروا أن هذه الآية : نزلت فيه وفي سراقة بن مالك المدلجي ، وفي بني جذيمة بن عامر وإذا كان الاستثناء ربما لم يرجع لأقرب الحمل إليه في القرآن العظيم : الذي هو في الطرف الأعلى