@ 293 @ ذكر غير واحد من المفسرين : أن الإشارة في قوله : ذلك راجعة إلى نصرة من ظلم من عباده المؤمنين المذكور قبله في قوله { ذالِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ } أي ذلك النصر المذكور كائن بسبب أنه قادر لا يعجز عن نصرة من شاء نصرته ، ومن علامات قدرته الباهرة : أنه يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ، ومصرفهما ، فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والانتصار ، وأنه سميع لما يقولون ، بصير بما يفعلون : أي وذلك الوصف بخلق النهار والليل والإحاطة بما يجري فيهما ، والإحاطة بكل قول وفعل بسبب أن الله هو الحق : أي الثابت الإلهية والاستحقاق للعبادة وحده ، وأَن كل ما يدعى إلاهاً غيره باطل وكفر ، ووبال على صاحبه ، وأنه جل وعلا هو العلي الكبير ، الذي هو أعلا من كل شيء وأعظم وأكبر سبحانه وتعالى علواً كبيراً . .
وقد أشار تعالى لأول ما ذكرنا . بقوله { ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ } ، ولآخره بقوله { ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ } . .
والأظهر عندي : أن الإشارة في قوله ذلك : راجعة إلى ما هو أعم من نصرة المظلوم ، وأنها ترجع لقوله { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } إلى ما ذكره من نصرة المظلوم : أي ذلك المذكور من كون الملك له وحده ، يوم القيامة ، وأنه الحاكم وحده بين خلقه ، وأنه المدخل الصالحين جنات النعيم والمعذب الذين كفروا العذاب المهين ، والناصر من بغى عليه من عباده المؤمنين ، بسبب أنه القادر على كل شيء ، ومن أدلة ذلك : أنه يولج الليل في النهار إلى آخر ما ذكرنا . وهذا الذي وصف به نفسه هنا من صفات الكمال والجلال ذكره في غير هذا الموضع كقوله في سورة لقمان ، مبيناً أن من اتصف بهذه الصفات قادر على إحياء الموتى ، وخلق الناس { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } . .
ثم استدل على قدرته على الخلق والبعث ، فقال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ } فهذه الصفات الدالة على كمال قدرته ، استدل بها على قدرته في الحج ، وفي لقمان . وإيلاج كل من الليل والنهار في الآخر فيه معنيان :