@ 251 @ له وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم . لأنه جاءهم بما يسعدهم وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه . ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى . وضرب بعض أهل العلم لهذا مثلاً قال : لو فجر الله عيناً للخلق غزيرة الماء ، سهلة التنازل . فسقى الناس زروعهم ومواشيهم بمائها . فتتابعت عليهم النعم بذلك ، وبقي أناس مفرطون كسالى عن العمل . فضيعوا نصيبهم من تلك العين ، فالعين المفجرة في نفسها رحمة من الله ، ونعمة للفريقين . ولكن الكسلان محنة على نفسه حيث حرمها ما ينفعها . ويوضح ذلك قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } . وقيل : كونه رحمة للكفار من حيث إن عقوبتهم أخرت بسببه ، وأمنوا به عذاب الاستئصال . والأول أظهر . .
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة : من أنه ما أرسله إلا رحمة للعالمين يدل على أنه جاء بالرحمة للخلق فيما تضمنه هذا القرآن العظيم . وهذا المعنى جاء موضحاً في مواضع من كتاب الله ، كقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذالِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، وقوله : { وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } . .
وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك في سورة ( الكهف ) في موضعين منها . وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله قال : قيل : يا رسول الله ، ادع على المشركين . قال : ( إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة ) . قوله تعالى : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَى سَوَآءٍ } . قوله { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا وصدوا عما تدعوهم إليه { فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَى سَوَآءٍ } أي أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي ، بريء منكم كما أنتم برآء مني . وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية أشارت إليه آيات أخر ، كقوله : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآءٍ } أي ليكن علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء . وقوله تعالى : { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِىءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } . وقوله : { ءاذَنتُكُمْ } الأذان : الإعلام . ومنه الأذان الصلاة . وقوله تعالى : { وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ } ، أي إعلام منه ، قوله : { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ } ، أي اعلموا . ومنه قول