@ 30 @ . .
وهذا الحكم من أعدل الأحكام وأوضحها وأظهرها حكمة . وذلك أن الله جلَّ وعلا خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ، ويمتثلوا أوامره ويجتنبوا نواهيه . كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } . وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة . كما قال : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } ، وفي الآية الأخرى ( في سورة النحل ) : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ليشكروه . كما قال تعالى : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالاٌّ بْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فتمرد الكفار على ربهم وطغوا وعتوا ، وأعلنوا الحرب على رسله لئلا تكون كلمته هي العليا ، واستعملوا جميع المواهب التي أنعم عليهم بها في محاربته ، وارتكاب ما يسخطه ، ومعاداته ومعاداة أوليائه القائمين بأمره . وهذا أكبر جريمة يتصورها الإنسان . .
فعاقبهم الحكم العدل اللطيف الخبير جلَّ وعلا عقوبة شديدة تُناسب جريمتهم . فسلبهم التصرف ، ووضعهم من مقام الإنسانية إلى مقام أسفل منه كمقام الحيوانات ، فأجاز بيعهم وشِراءهم ، وغير ذلك من التصرفات المالية ، مع أنه لم يسلبهم حقوق الإنسانية سلباً كلياً . فأوجب على مالكيهم الرفق والإحسان إليهم ، وأن يطعموهم مما يطعمون ، ويكسوهم مما يلبسون ، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون ، وإن كلفوهم أعانوهم . كما هو معروف في السنة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم ، مع الإيصاء عليهم في القرآن . كما في قوله تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى } إلى قوله { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } كما تقدم . .
وتشوف الشارع تشوفاً شديداً للحرية والاخراج من الرق . فأكثر أسباب ذلك ، كما أوجبه في الكفارات من قتل خطأ وظِهار ويمين وغير ذلك . وأوجب سراية العتق ، وأمر بالكتابة في قوله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } ورغب في الإعتاق ترغيباً شديداً . ولو فرضنا { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الاٌّ عْلَى } أن حكومة من هذه الحكومات التي تنكر الملك بالرق ، وتشنع في ذلك على دين الإسلام قام عليها رجل من رعاياها كانت تغدق عليه النعم ، وتسدي إليه جميع أنواع الإحسان ، ودبر عليها ثورة