حكي عن قوم من المتقدمين ومن بعدهم : أنهم جوزوا إطلاق ( حدثنا وأخبرنا ) في الرواية بالمناولة حكي ذلك عن الزهري ومالك وغيرهما وهو لائق بمذهب جميع من سبقت الحكاية عنهم : أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعا . وحكي أيضا عن قوم مثل ذلك في الرواية بالإجازة .
وكان ( الحافظ أبو نعيم الأصبهاني ) - صاحب التصانيف الكثيرة في علم الحديث - يطلق ( أخبرنا ) فيما يرويه بالإجازة . روينا عنه أنه قال : أنا إذا قلت ( حدثنا ) فهو سماعي وإذا قلت ( أخبرنا ) على الإطلاق فهو إجازة من غير أن أذكر فيه ( إجازة أو كتابة أو كتب إلي . أو أذن لي في الرواية عنه ) .
( 97 ) وكان ( أبو عبيد الله المرزباني الأخباري ) - صاحب التصانيف في علم الخبر - يروي أكثر ما في كتبه إجازة من غير سماع ويقول في الإجازة ( أخبرنا ) ولا يبينها وكان ذلك - فيما حكاه الخطيب - مما عيب به .
والصحيح - والمختار الذي عليه عمل الجمهور وإياه اختار أهل التحري والورع - المنع في ذلك من إطلاق ( حدثنا وأخبرنا ) ونحوهما من العبارات وتخصيص ذلك بعبارة تشعر به بأن يقيد هذه العبارات فيقول : ( أخبرنا أو : حدثنا فلان مناولة وإجازة أو : أخبرنا إجازة أو : أخبرنا مناولة أو : أخبرنا إذنا أو : في إذنه أو : فيما أذن لي فيه أو : فيما أطلق لي روايته عنه ) . أو يقول : ( أجاز لي فلان أو : أجازني فلان كذا وكذا أو : ناولني فلان ) وما أشبه ذلك من العبارات .
وخصص قوم الإجازة بعبارات لم يسلموا فيها من التدليس أو طرف منه كعبارة من يقول في الإجازة ( أخبرنا مشافهة ) إذا كان قد شافهه بالإجازة لفظا كعبارة من يقول ( أخبرنا فلان كتابة أو : فيما كتب إلي أو : في كتابه ) إذا كان قد أجازه بخطه . فهذا - وإن تعارفه في ذلك طائفة من المحدثين المتأخرين - فلا يخلو عن طرف من التدليس لما فيه من الاشتراك والاشتباه بما إذا كتب إليه ذلك الحديث بعينه .
وورد عن ( الأوزاعي ) أنه خصص الإجازة بقوله ( خبرنا ) بالتشديد والقراءة عليه بقوله ( أخبرنا ) .
واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق ( أنبأنا ) في الإجازة وهو الوليد ابن بكر صاحب ( الوجازة في الإجازة ) . وقد كان ( أنبأنا ) عند القوم - فيما تقدم - بمنزلة أخبرنا وإلى هذا نحا ( الحافظ المتقن أبو بكر البيهقي ) إذ كان يقول ( أنبأني فلان إجازة ) وفيه أيضا رعاية لاصطلاح المتأخرين والله أعلم .
( 89 ) وروينا عن الحاكم ( أبي عبد الله الحافظ ) C أنه قال : الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري : أن يقول فيما عرض على المحدث فأجاز له روايته شفاها ( أنبأني فلان ) وفيما كتب إليه المحدث من مدينة ولم يشافهه بالإجازة ( كتب إلي فلان ) .
وروينا عن ( أبي عمرو بن أبي جعفر بن حمدان النيسابوري ) قال : سمعت أبي يقول : كل ما قال البخاري ( قال لي فلان ) فهو عرض ومناولة .
قلت : وورد عن قوم من الرواة التعبير عن الإجازة بقول ( أخبرنا فلان أن فلانا حدثه أو : أخبره ) . وبلغنا ذلك عن الإمام ( أبي سليمان الخطابي ) أنه اختاره أو حكاه وهذا اصطلاح بعيد عن الإشعار بالإجازة وهو فيما إذا سمع منه الإسناد فحسب وأجاز له ما رواه قريب فإن كلمة ( أن ) في قوله ( أخبرني فلان أن فلانا أخبره ) فيها إشعار بوجود أصل الإخبار وإن أجمل المخبر به ولم يذكره تفصيلا .
قلت : وكثيرا ما يعبر الرواة المتأخرون عن الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ المسمع بكلمة ( عن ) فيقول أحدهم إذا سمع على شيخ بإجازته عن شيخه ( قرأت على فلان عن فلان ) وذلك قريب فيما إذا كان قد سمع منه بإجازته عن شيخه إن لم يكن سماعا فإنه شاك وحرف ( عن ) مشترك بين السماع والإجازة صادق عليهما والله أعلم .
ثم اعلم : أن المنع من إطلاق ( حدثنا وأخبرنا ) في الإجازة لا يزول بإباحة المجيز لذلك كما اعتاده قوم من المشايخ من قولهم في إجازتهم لمن يجيزون له إن شاء قال ( حدثنا ) وإن شاء قال ( أخبرنا ) فليعلم ذلك والعلم عند الله تبارك وتعالى