ويسميه أهل الحديث ( المعلول ) وذلك منهم - ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس : العلة والمعلول - مرذول عند أهل العربية واللغة .
اعلم : أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه .
( 53 ) فالحديث المعلل هو : الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهرة السلامة منها .
ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر .
ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه . وكل ذلك مانع ممن الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه .
وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل : أن يجيء الحديث بإسناد موصول ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه .
قال ( الخطيب أبو بكر ) : السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط .
وروى عن ( علي بن المديني ) قال : الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه .
ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو الأكثر وقد تقع في متنه .
ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف . وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن .
فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في المتن : ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي A قال : ( ( البيعان بالخيار ) ) . . ) ) الحديث . فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله : عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان ( 54 ) عنه . فوهم يعلى بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة .
ومثال العلة في المتن : ما انفرد ( مسلم ) بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه : فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر البسملة وهو الذي اتفق ( البخاري ومسلم ) على إخراجه في ( الصحيح ) و رأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له . ففهم من قوله : كانوا يستفتحون بالحمد لله أنهم كانوا لا يبسملون فرواه على ما فهم وأخطأ لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيه تعرض لذكر التسمية .
وانضم إلى ذلك أمور منها : أنه ثبت عن أنس : أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن رسول الله A والله أعلم .
ثم اعلم : أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل . ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح . وسمى ( الترمذي ) النسخ علة من علل الحديث .
ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال : من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول كما قال بعضهم : من الصحيح ما هو صحيح شاذ والله أعلم