أحدها : قول الصحابي : ( كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا ) إن لم يضفه إلى زمان رسول الله - A - فهو من قبيل الموقوف . وإن أضافه إلى زمان رسول الله - A - فالذي قطع به ( أبو عبد الله بن البيع الحافظ ) وغيره من أهل الحديث وغيرهم : أن ذلك من قبيل المرفوع .
وبلغني عن ( أبي بكر البرقاني ) : أنه سأل ( أبا بكر الإسماعيلي الإمام ) عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع .
والأول هو الذي عليه الاعتماد لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله - A - اطلع على ذلك أقررهم عليه . وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها أنواع : منها أقواله A ومنها أفعاله . ومنها تقريره وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه .
ومن هذا القبيل قول الصحابي ( كنا لا نرى بأسا بكذا ورسول الله A فينا أو : كان يقال كذا وكذا على عهده . أو : كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته A ) .
فكل ذلك وشبهه مرفوع مسند مخرج في كتب المسانيد .
( 29 ) وذكر الحاكم أبو عبد الله - فيما رويناه عن المغيرة بن شعبة قال : كان أصحاب رسول الله A يقرعون بابه بالأظافير - أن هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا يعني مرفوعا لذكر رسول الله A فيه وليس بمسند بل هو موقوف .
وذكر ( الخطيب ) أيضا نحو ذلك في ( جامعه ) .
قلت : بل هو مرفوع كما سبق ذكره . وهو بأن يكون مرفوعا أحرى لكونه أحرى باطلاعه A عليه . والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع وقد كنا عددنا هذا فيما أخذناه عليه . ثم تأولناه له على أنه أراد أنه ليس بمسند لفظا بل هو موقوف لفظا وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظا وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى . والله أعلم .
الثاني : قول الصحابي ( أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا ) من نوع المرفوع والمسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم . وخالف في ذلك فريق منهم ( أبو بكر الإسماعيلي ) . والأول هو الصحيح لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من إليه الأمر والنهي وهو رسول الله A .
وهكذا قول الصحابي : ( من السنة كذا ) فالأصح أنه مسند مرفوع لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنة رسول الله A وما يجب اتباعه .
وكذلك قول أنس Bه : أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة . وسائر ما جانس ذلك . فلا فرق بين أن يقول ذلك في زمان رسول الله A وبعده A .
الثالث : ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك كقول جابر Bه : كانت اليهود تقول : من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله ( 30 ) D ( ( نساؤكم حرث لكم ) ) . الآية . فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله A فمعدودة في الموقوفات . والله أعلم .
الرابع : من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي : يرفع الحديث أو : يبلغ به أو : ينميه أو : رواية .
مثال ذلك : سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواية : ( تقاتلون قوما صغار الأعين . . ) الحديث .
وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال : ( الناس تبع لقريش . . ) الحديث .
( 31 ) فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول الله A . وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا .
قلت : وإذا قال الراوي عن التابعي : يرفع الحديث أو : يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل . والله أعلم