هذا من أجل نوع و أفخمه فإنه المرقاة إلى معرفة صحة الحديث وسقمه ولأهل المعرفة بالحديث فيه تصانيف كثيرة .
منها ما أفرد في الضعفاء ككتاب ( الضعفاء ) ( للبخاري ) و ( الضعفاء ) ( للنسائي ) و ( الضعفاء ) للعقيلي وغيرها .
ومنها في الثقات فحسب ككتاب ( الثقات ) ( لأبي حاتم بن حبان ) .
ومنها ما جمع فيه بين الثقات والضعفاء ( كتاريخ البخاري ) و ( تاريخ بن أبي خيثمة ) وما أغزر فوائده وكتاب ( الجرح والتعديل ) ( لابن أبي حاتم الرازي ) .
( 237 ) روينا عن صالح بن محمد الحافظ جزرة قال : أول من تكلم في الرجال شعبة بن الحجاج ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان ثم بعده ( أحمد ابن حنبل ) ويحيى بن معين .
قلت : وهؤلاء يعني أنه أول من تصدى لذلك وعني به وإلا فالكلام فيه جرحا وتعديلا متقدم ثابت عن رسول الله - A - ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وجوز ذلك صونا للشريعة ونفيا للخطأ والكذب عنها .
وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة . ورويت عن ( أبي بكر بن خلاد ) قال : قلت ( ليحيى بن سعيد ) : أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة ؟ .
فقال : لأن يكونوا خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله - A - يقول لي لم لم تذب الكذب عن حديثي .
وروينا - أو : بلغنا - أن ( أبا تراب النخشبي الزاهد ) سمع من ( أحمد بن حنبل ) شيئا من ذلك فقال له : يا شيخ لا تغتاب العلماء .
فقال له : ويحك هذا نصحية ليس هذا غيبة .
ثم إن على الآخذ في ذلك أن يتقي الله تبارك وتعالى ويتثبت ويتوقى التساهل كيلا يجرح سليما ويسم بريئا بسمة سوء يبقى عليه الدهر عارها . وأحسب ( أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ) - وقد قيل : إنه كان يعد من الأبدال - من مثل ما ذكره خاف . ( 248 ) .
فيما رويناه أو بلغناه : أن ( يوسف بن الحسين الرازي ) وهو الصوفي دخل عليه وهو يقرأ كتابه في الجرح والتعديل فقال له : كم من هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة منذ مائة سنة ومائتي سنة وأنت تكذبهم وتغتابهم ؟ فبكى ( عبد الرحمن ) .
وبلغنا أيضا : أنه حدث وهو يقرأ كتابه ذلك على الناس عن ( يحيى بن معين ) أنه قال : إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ أكثر من مائتي سنة . فبكى ( عبد الرحمن ) وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده .
قال المؤلف : وقد أخطأ فيه غير واحد على غير واحد فجرحوهم بما لا صحة له .
من ذلك : جرح ( أبي عبد الرحمن النسائي ) ( لأحمد بن صالح ) وهو إمام حافظ ثقة لا يعلق به جرح أخرج عنه ( البخاري ) في ( صحيحه ) وقد كان من ( أحمد ) إلى ( النسائي ) جفاء أفسد قلبه عليه .
وروينا عن ( أبي يعلى الخليلي ) الحافظ قال : اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه تحامل ولا يقدح كلام أمثاله فيه .
قلت : ( النسائي ) إمام حجة في الجرح والتعديل وإذا نسب مثله إلى مثل هذا كان وجهه : أن عين السخط تبدي مساوي لها في الباطن مخارج صحيحة تعمى عنه بحجاب السخط لا أن ذلك يقع من مثله تعمدا لقدح يعلم بطلانه فاعلم هذا فإنه من النكت النفيسة المهمة .
وقد مضى الكلام في أحكام الجرح والتعديل في النوع الثالث والعشرين والله أعلم