وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه الغواصون على المعاني الدقيقة .
اعلم : أن ما يذكر في هذا الباب ينقسم إلى قسمين : .
أحدهما : أن يمكن الجمع بين الحديثين ولا يتعذر إبداء وجه ينفي تنافيهما فيتعين حينئذ المصير إلى ذلك والقول بهما معا .
ومثاله : حديث : ( ( لا عدوى ولا طيرة ) ) . مع حديث : ( ( لا يورد ممرض على مصح ) ) . وحديث : ( ( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) ) . وجه الجمع بينهما : أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه .
ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب : ففي الحديث الأول : نفى A ما كان يعتقده الجاهلي من أن ذلك يعدي بطبعه ولهذا قال : ( فمن أعدى الأول ؟ ) . وفي الثاني : اعلم بأن الله سبحانه جعل ذلك سببا لذلك وحذر ( 170 ) من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله سبحانه وتعالى . ولهذا في الحديث أمثال كثيرة . وكتاب ( مختلف الحديث ) ( لابن قتيبة ) في هذا المعنى : إن يكن قد أحسن فيه من وجه فقد أساء في أشياء منه قصر باعه فيها وأتى بما غيره أولى وأقوى .
وقد روينا عن ( محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام ) أنه قال : لا أعرف أنه روي عن النبي - A - حديثان بإسنادين صحيحين متضادين فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما .
القسم الثاني : أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بينهما وذلك على ضربين : .
أحدهما : أن يظهر كون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ .
والثاني : أن لا تقوم دلالة على أن الناسخ أيهما والمنسوخ أيهما : فيفزع حينئذ إلى الترجيح ويعمل بالأرجح منهما والأثبت كالترجيح بكثرة الرواة أوبصفاتهم في خمسين وجها من وجوه الترجيحات وأكثر ولتفصيلها موضع غير ذا والله سبحانه أعلم