وهو عبارة عما وقع في متون الأحاديث من الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم لقلة استعمالها .
هذا فن مهم يقبح جهله بأهل الحديث خاصة ثم بأهل العلم عامة والخوض فيه ليس بالهين والخائض فيه حقيق بالتحري جدير بالتوقي .
روينا عن ( الميموني ) قال : سئل ( أحمد بن حنبل ) عن حرف من غريب الحديث فقال : سلوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله - A - بالظن فأخطئ .
وبلغنا عن التاريخي ( محمد بن عبد الملك ) قال : حدثني ( أبو قلابة عبد الملك بن محمد ) قال : قلت ( للأصمعي ) يا ( أبا سعيد ) ما معنى قول رسول الله - A - ( ( الجار ( 160 ) أحق بسقبه ) ) . فقال : أنا لا أفسر حديث رسول الله - A - ولكن العرب تزعم أن السقب اللزيق .
ثم إن غير واحد من العلماء صنفوا في ذلك فأحسنوا . وروينا عن ( الحاكم أبي عبد الله الحافظ ) قال : أول من صنف الغريب في الإسلام ( النضر بن شميل ) . ومنهم من خالفه فقال : أول من صنف فيه ( أبو عبيدة معمر بن المثنى ) . وكتاباهما صغيران .
وصنف بعد ذلك ( أبو عبيد القاسم بن سلام ) كتابه المشهور فجمع وأجاد واستقصى فوقع من أهل العلم بموقع جليل وصار قدوة في هذا الشأن .
ثم تتبع ( القتيبي ) ما فات أبا عبيد فوضع فيه كتابه المشهور .
ثم تتبع ( أبو سليمان الخطابي ) ما فاتهما فوضع في ذلك كتابه المشهور .
فهذه الكتب الثلاثة أمهات الكتب المؤلفة في ذلك . ووراءها مجامع تشتمل من ذلك على زوائد وفوائد كثيرة ولا ينبغي أن يقلد منها إلا ما كان مصنفوها أئمة أجلة .
وأقوى ما يعتمد عليه في تفسير غريب الحديث : أن يظفر به مفسرا في بعض روايات الحديث . نحو ما روي في حديث ( ابن صياد ) أن النبي - A - قال له : ( ( قد خبأت لك خبيئا فما هو ؟ ) ) . قال : الدخ .
فهذا خفي معناه أعضل وفسره قوم بما لا يصح . وفي معرفة علوم الحديث ( للحاكم ) أنه الدخ بمعنى الزخ الذي هو الجماع وهذا تخليط فاحش يغيظ العالم والمؤمن .
وإنما معنى الحديث أن النبي - A - قال له : قد أضمرت لك ضميرا فما هو ؟ فقال : الدخ بضم الدال يعني الدخان والدخ هو الدخان في لغة إذ في بعض ( 161 ) روايات الحديث ما نصه : ثم قال رسول الله - A - ( إني قد خبأت لك خبيئا ) وخبأ له : ( ( يوم تأتي السماء بدخان مبين ) ) . فقال ( ابن صياد ) هو الدخ . فقال رسول الله - A - ( ( اخسأ فلن تعدو قدرك ) ) . وهذا ثابت صحيح خرجه ( الترمذي ) وغيره . فأدرك ( ابن صياد ) من ذلك هذه الكلمة فحسب على عادة الكهان في اختطاف بعض الشيء من الشياطين من غير وقوف على تمام البيان . ولهذا قال له : ( اخسأ فلن تعدو قدرك ) أي فلا مزيد لك على قدر إدراك الكهان والله أعلم