وقال في موضع آخر منه " وأبعد الناس من الكذب الذي لا يحدث الناس إلا بالإجازة ليخلص الناس من التهمة وسوء الظن ويخلص نفسه من الرياء والعجب " وقد رأيت بخط الشيخ نجم الدين الطوفي ( 1 ) في بعض تعاليقه رأيت محدثي العصر يتهافتون ( 2 ) ويتنافسون في ترجيح رواية الحديث سماعا على روايته إجازة وإنما هذا شيء ألقوه وتلقوه عمن قبلهم وغفلوا عن الأشياء تختلف باختلاف الأزمنة والحق التفصيل وهو الفرق بينهما في عصر السلف فأما منذ دونت الدواوين وجمع السنن واشتهرت فلا فرق بينهما .
والفرق بين الزمانين أن السلف رضي الله تعالى عنهم كانوا يجمعون الحديث من صحف الناس وصدور الرجال فدعت الحاجة إلى السماع خوفا من التدليس والتلبيس ولهذا كان شعبة يقول " إني لأنظر إلى فم قتادة فإن قال " سمعت " كتبت وإن قال " عن فلان " لم أكتب " ( 3 ) وذلك لأنهم ( 4 ) ربما كتبوا ودلسوا بالعنعنة فإذا روى ذلك الكتاب إجازة توهم الراوي عنه أن العنعنة سماع ولا أسمع منه الحديث لحرى ( 5 ) فبين أو سئل فالجيء إلى التبيين وهذا بخلاف ما بعد تدوين الكتب في علم المتن والسند فإن فائدة الرواية إذا إنما هي اتصال سلسلة الإسناد بالنبي A تبركا وتيمنا وإلا فالحجة تقوم بما في السنن ونحوها ويعرف القوي والضعيف والنقلة من كتب الجرح والتعديل ولما ذكرته من الفرق بين العصرين كان المتقدمون لا يروون حديثا إلا مسندا ويسمون ما ليس بمسند تعليقا