وجملته أن الراوي لا يخلو إما أن يكون معلوم العدالة أو معلوم الفسق أو مجهول الحال ( صفحة 42 ) فإن كانت عدالته معلومة كالصحابة Bهم أو أفاضل التابعين كالحسن وعطاء والشعبي والنخعي وأجلاء الأئمة كمالك وسفيان وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق ومن يجري مجراهم وجب قبول خبره ولم يجب البحث عن عدالته وذهبت المعتزلة والمبتدعة إلى أن في الصحابة فساقا وهم الذين قتلوا عليا كرم الله وجهه من أهل العراق وأهل الشام حتى اجترءوا ولم يخافوا الله D وأطلقوا هذا القول على طلحة والزبير وعائشة Bهم وهذا قول عظيم في السلف والدليل على فساد قولهم أن عدالتهم قد ثبتت ونزاهتهم قد عرفت فلا يجوز أن تزول عما عرفناه إلا بدليل قاطع ولأنهم لم يظهر منهم معصية اعتمدوها وإنما دارت بينهم حروب كانوا فيها متأولين ولهذا امتنع خلق كثير من خيار الصحابة والتابعين عن معاوية في قتال علي كرم الله وجهه على ذلك واستعفوا عن القتال معه لما دخل عليهم من الشبهة في ذلك كسعد بن أبي وقاص وأصحاب ابن مسعود وغيرهم ولهذا كان علي رحمة الله عليه يأذن في قبول شهادتهم والصلاة معهم فلا يجوز أن يقدح ذلك في عدالتهم .
- 1 - فصل .
فأما أبو بكرة ومن جلد معه في القذف فإن أخبارهم تقبل لأنهم لم يخرجوا مخرج القذف بل أخرجوه مخرج الشهادة وإنما جلدهم عمر كرم الله وجهه باجتهاده فلم يجز أن يقدح بذلك في عدالتهم ولم يرد خبرهم .
- 2 - فصل .
وإن كان معلوم الفسق لم يقبل خبره سواء كان فسق بتأويل أو بغير تأويل وقال بعض المتكلمين يقبل الفاسق بتأويل إذا كان أمينا في دنيه حتى الكافر . والدليل على ما قلناه قوله D { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } .
ولم يفرق ولأنه إذا لم يخرجه التأويل عن كونه كافرا أو فاسقا لم يخرجه عن أن يكون مردود الخبر .
- 3 - الفصل .
فإذا كان مجهول الحال لم يقبل حتى تثبت عدالته وقال أصحاب أبي حنيفة C يقبل والدليل على ما قلناه أن كل خبر لم يقبل من الفاسق لم يقبل من مجهول العدالة كالشهادة .
- 4 - فصل .
ويجب البحث عن العدالة الباطنة كما يجب ذلك في الشهادة ومن أصحابنا من قال يكفي السؤال عن العدالة في الظاهر فإن مبناه على الظاهر وحسن الظن ولهذا يجوز قبوله من العبد .
- 5 - فصل .
فإن اشترك رجلان في الاسم والنسب وأحدهما عدل والآخر فاسق فروي خبر عن هذا الاسم لم يقبل حتى يعلم أنه عن العدل .
- 6 - فصل .
ويثبت التعديل والجرح في الخبر بواحد ومن أصحابنا من قال لا يثبت إلا من نفسين كتزكية الشهود والأول أصح لأن الخبر يقبل من واحد فكذلك تزكية المخبر . ( صفحة 43 ) .
- 7 - فصل .
ولا يقبل التعديل إلا ممن يعرف شروط العدالة وما يفسق به الإنسان لأنا لو قبلنا ممن لا يعرف لم نأمن أن نشهد بعدل من هو فاسق أو فسق من هو عدل .
- 8 - فصل .
ويكفي في التعديل أن يقول هو عدل . ومن أصحابنا من قال يحتاج أن يقول هو عدل على ولي ومن الناس من قال لا بد من ذكر ما صار به عدلا والدليل على انه يكفي قوله عدل أن قوله عدل يجمع أنه عدل عليه وله ولا يحتاج إلى الزيادة عليه والدليل على أنه لا يحتاج إلى ذكر ما يصير به عدلا أنا لا نقبل إلا قول من تعرف فيه شروط العدالة فلا يحتاج إلى بيان شروط العدالة .
- 9 - فصل .
ولا يقبل الجرح إلا مفسرا فأما إذا قال هو ضعيف أو فاسق لم يقبل وقال أبو حنيفة C إذا قال هو فاسق قبل من غير تفسير وهذا غير صحيح لأن الناس يختلفون فيما يرد به الخبر ويفسق به الإنسان فربما اعتقد في أمر أنه جرح وليس بجرح فوجب بيانه .
- 10 - فصل .
فإن عدله واحد وجرحه آخر قدم الجرح على التعديل لأن مع شاهد الجرح زيادة علم فقدم على المزكى .
- 11 - فصل .
فإن روي عن المجهول عدل لم يكن ذلك تعديلا وقال بعض أصحابنا إن ذلك تعديل والدليل على فساد ذلك هو أنا نجد العدول يروون عن المدلسين والكذابين ولهذا قال الشعبي أخبرني الحارث الأعور وكان والله كذابا فلم يكن في الرواية عنه دليل على التعديل .
- 12 - فصل .
فأما إذا عمل العدل بخبره فهو تعديل لأنه لا يجوز أن يعمل به إلا وقد قبله وإن عمل بموجب خبره ولم يسمع منه أنه عمل بالخبر لم يكن ذلك تعديلا لأنه قد يعمل بموجب الخبر من جهة القياس ودليل غيره فلم يكن ذلك تعديلا