واعلم أن النسخ قد يعلم بصريح النطق كقوله D ( الآن خفف الله عنكم ) وقد يعلم بالإجماع وهو أن تجمع الأمة على خلاف ما ورد من الخبر فيستدل بذلك على أنه منسوخ لأن الأمة لا تجتمع على الخطأ وقد يعلم بتأخير أحد اللفظين عن الآخر مع التعارض وذلك مثل ما روي أنه قال ( الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) ثم روي أنه رجم ماعزا ولم يجلده فدل على أن الجلد منسوخ .
- 1 - فصل .
ويعلم التأخير في الأخبار بالنطق كقوله A ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) ويعلم بأخبار الصحابة أن هذا نزل بعد هذا وورد هذا بعد هذا كما روي أنه كان آخر الأمرين من رسول الله A ترك الوضوء مما مست النار . فأما إذا كان راوي أحد الخبرين أقدم صحبة والآخر أحدث صحبة كابن مسعود وابن عباس لم يجز نسخ خبر الأقدم بخبر الأحدث لأنهما عاشا إلى أن مات رسول الله A فيجوز أن يكون الأقدم سمع ما رواه بعد سماع الأحدث ولأنه يجوز أن يكون الأحدث أرسله عمن قدمت صحبته ولا تكون روايته متأخرة عن رواية الأقدم فلا يجوز النسخ مع الاحتمال . وأما إذا كان راوي أحد الخبرين أسلم بعد موت الآخر أو بعد قصته مثل ما روى طلق بن علي أن النبي A سئل عن مس الذكر وهو يبني مسجد المدينة فلم يوجب منه الوضوء وروى أبو هريرة إيجاب الوضوء وهو أسلم عام حنين بعد بناء المسجد فيحتمل أن ينسخ حديث طلق بحديثه لأن الظاهر أنه لم يسمع ما رواه إلا بعد هذه القصة فنسخه ويحتمل أن لا ينسخ لجواز أن يكون قد سمعه قبل أن يسلم وأرسله عمن قدم إسلامه .
- 2 - فصل .
فأما إذا قال الصحابي هذه الآية منسوخة أو هذا الخبر منسوخ لم يقبل منه حتى يبين الناسخ فينظر فيه ومن الناس من قال ينسخ بخبره ويقلد فيه . ومنهم من قال إن ذكر الناسخ لم يقلد بل ينظر فيه وإن لم يذكر الناسخ نسخ وقلد فيه والدليل على أنه لا يقبل هو أنه يجوز أن يكون قد اعتقد النسخ بطريق لا يوجب النسخ ولا يجوز أن يترك الحكم الثابت من غير نظر وبالله التوفيق