واعلم أن تقييد العام بالصفة يوجب التخصيص كما يوجب الشرط والاستثناء وذلك مثل قوله تعالى { فتحرير رقبة مؤمنة } فإنه لو أطلق الرقبة لعم المؤمنة والكافرة فلما قيده بالمؤمنة وجب التخصيص .
- 1 - فصل .
فإن ورد الخطاب مطلقا لا مقيد له حمل على إطلاقه وإن ورد مقيدا لا مطلق له حمل على تقييده وإن ورد مطلقا في موضع ومقيدا في موضع آخر نظرت فإن كان ذلك في حكمين مختلفين مثل أن يقيد الصيام بالتتابع ويطلق الإطعام لم يحمل أحدهما على الآخر بل يعتبر كل واحد منهما بنفسه لأنهما لا يشتركان في لفظ ولا معنى وإن كان ذلك في حكم واحد وسبب واحد مثل أن يذكر الرقبة في كفارة القتل مقيدة بالإيمان ثم يعيدها في القتل مطلقة كان الحكم للمقيد لأن ذلك حكم واحد استوفى بيانه في أحد الموضعين ولم يستوف في الموضع الآخر وإن كان في حكم واحد وشيئين مختلفين نظرت في المقيد فإن عارضه مقيد آخر لم يحمل المطلق على واحد من القيدين وذلك مثل الصوم في الظهار قيده بالتتابع وفي التمتع قيده بالتفريق وأطلق في كفارة اليمين فلا يحمل المطلق في اليمين على الظهار ولا على التمتع بل يعتبر بنفسه إذ ليس حمله على أحدهما بأولى من الحمل على الآخر وإن لم يعارض المقيد مقيد آخر كالرقبة في كفارة القتل والرقبة في الظهار قيدت بالإيمان في القتل وأطلقت في الظهار حمل المطلق على المقيد فمن أصحابنا من قال يحمل من جهة اللغة لأن القرآن من فاتحته إلى خاتمته كالكلمة الواحدة - 1 - ومنهم من قال يحمل من جهة القياس وهو الأصح وقال أصحاب أبي حنيفة رحمه : الله لا يجوز حمل المطلق على المقيد لأن ذلك زيادة في النص وذلك ( صفحة 24 ) نسخ بالقياس وربما قال لأنه حمل منصوص والدليل على أنه لا يحمل من جهة اللغة أن اللفظ الذي ورد فيه التقييد وهو القتل لا يتناول المطلق وهو الظهار فلا يجوز أن يحكم فيه بحكمه من غير علة كلفظ البر لما لم يتناول الأرز لم يجز أن يحكم فيه بحكمه من غير علة فكذلك هاهنا والدليل على أنه يحمل عليه بالقياس هو أن حمل المطلق على المقيد تخصيص عموم بالقياس فصار كتخصيص سائر العمومات .
[ 1 ] - هذا التعليل أحد المتمسكات من منع وقوع النسخ في القرآن وتأول النسخ بمعنى غير المشهور ورد كل ما ادعى فيه النسخ إلى أنه محكم كأبي مسلم الأصفهاني على ما نقل عنه الرازي في تفسيره وغيره ذهابا إلى أن آيات التنزيل وسوره كالسلسلة المنتظمة حلقاتها والمرتبط أولها بآخرها من أول آية نزلت إلى آخر آية والمسألة شهيرة والقصد التنبيه لمثل هذا التعليل وما يرمى إليه فتنبه ا ه . كتبه الفقير جمال الدين القاسمي