وجملته أن اللفظ الوارد على سبب لم يجز أن يخرج السبب منه لأنه يؤدي إلى تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك لا يجوز وهل يدخل فيه غيره نظرت فإن كان اللفظ لا يستقل بنفسه كان ذلك مقصورا على ما ورد فيه من السبب ويصير الحكم مع السبب كالجملة الواحدة فإن كان لفظ السائل عاما مثل أن قال أفطرت قال أعتق حمل الجواب على العموم في كل مفطر كأنه قال من أفطر فعليه العتق من جهة المعنى لا من جهة اللفظ وذلك أنه لما لم يستفصل دل على أنه لا يختلف أو لما نقل السبب وهو الفطر فحكم فيه بالعتق صار كأنه علل بذلك لأن ذكر السبب في الحكم تعليل وإن كان خاصا مثل إن قال جامعت فقال اعتق حمل الجواب على الخصوص في المجامع لا يتعدى إلى غيره من المفطرين فكأنه قال من جامع في رمضان فعليه العتق وأما إذا كان اللفظ يستقل بنفسه اعتبر حكم اللفظ فإن كان خاصا حمل على خصوصه وإن كان عاما حمل على عمومه ولا يخص بالسبب الذي ورد فيه وذلك مثل ما سئل النبي A عن بئر بضاعة فقيل إنك تتوضأ من بئر بضاعة وأنه يطرح فيها المحائض ولحوم الكلاب وما ينحى الناس فقال A ( الماء طهور لا ينجسه شيء ) فهذا يحمل على عمومه ولا يخص بما ورد فيه من السبب . وقال المزني وأبو ثور وأبو بكر الدقاق من أصحابنا يقصر على ما ورد فيه من السبب . والدليل على ما قلناه هو أن الحجة في قول الرسول A دون السبب فوجب أن يعتبر عمومه - 1 - . ( صفحة 21 ) .
- 1 - جاء في كتاب تفضيل السلف على الخلف الخطاب وإن ورد في سبب خاص إلا أنه قد تقوم به الحجة في غير سببه ويصح أن يتعلق بعمومه فيما يتناوله من غير مقصوده والدليل عليه قوله تعالى { يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعا لما يحييكم } قال المفسرون معناها - استجيبوا لله وللرسول - في أمر الحرب التي أعزكم بها بعد الذل وقواكم بعد الضعف قال الزجاج لما يحييكم بالعلم ويجوز أن تكون الحياة دائمة في الآخرة هذا هو تأويلها ومقصودها ثم النبي A لما سلم على أبي ذر Bه وهو يصلي فلم يجبه فقال : ما منعك أن تجيبني : فقال : كنت أصلي فقال النبي A ألم تسمع الله تعالى يقول { استجيبوا لله وللرسول } فهذا رسول الله A إمام الأئمة قد جعل الخطاب حجة في غير سببه ومقصوده وسلك نحو هذا المسلك في الاحتجاج فكيف ينكر ما رضيه له فيه انتهى . نقله جمال الدين