وجملته أن العموم يصح دعواه في نطق ظاهر يستغرق الجنس بلفظه كالألفاظ التي ذكرناها في الباب الأول وأما الأفعال فلا يصح فيها دعوى العموم لأنها تقع على صفة واحدة فإن عرفت تلك الصفة اختص الحكم بها وإن لم تعرف صار مجملا مما عرف صفته مثل ما روي أن النبي A جمع بين الصلاتين في السفر فهذا مقصور على ما روي فيه وهو السفر لا يحمل على العموم فيما لم يرد فيه وما لم يعرف مثلما روى أنه جمع بين الصلاتين في السفر فلا يعلم أنه كان في سفر طويل أو سفر قصير إلا أنه معلوم أنه لم يكن إلا في سفر واحد فإذا لم يعلم ذلك بعينه وجب التوقف فيه حتى يعرف ولا يدعى فيه العموم .
- 1 - فصل .
وكذلك القضايا في الأعيان لا يجوز دعوى العموم فيها وذلك مثل أن يروي أن النبي A قضى بالشفعة للجار وقضى في الإفطار بالكفارة وما أشبه ذلك فلا يجوز دعوى العموم فيها بل يجب التوقف فيه لأنه يجوز أن يكون قضى بالشفعة لجار لصفة يختص بها وقضى بكفارة بإفطار في جماع أو غيره مما يختص به المحكوم له وعليه فلا يجوز أن يحكم على غيره إلا أن يكون في الخبر لفظ يدل على العموم . ومن الناس من قال إن كان قد روى أنه قضى بكفارة بالإفطار وبالشفعة للجار لم يدع فيه العموم وإن كان قد روى أنه قضى بأن الكفارة في الإفطار وبأن الشفعة للجار تعلق بعمومه لأن ذلك حكاية قول فكأنه قال الكفارة في الإفطار والشفعة للجار وقال بعضهم إن روى أنه كان يقضي تعلق بعمومه لأن ذلك للدوام ألا ترى أنه يقال فلان كان يقري الضيف ويصنع المعروف وقال الله تعالى { وكان يأمر أهله بالصلاة } وأراد التكرار والصحيح أنه لا فرق بين أن يكون بلفظ إن أو غيره لأنه قد يروى لفظة إن في القضاء بمعنى الحكم في القصة المقضي فيها ولا يقتضي الحكم في غيرها ولا فرق أيضا بين أن يقول كان وبين غيره لأنه وإن اقتضى الكرار إلا أنه يجوز أن يكون التكرار على صفة مخصوصة لا يشاركها فيه سائر الصفات .
- 2 - فصل .
وكذلك المجمل من القول المفتقر إلى إضماره لا يدعى في إضماره العموم وذلك مثل قوله D { الحج أشهر معلومات } فإنه يفتقر إلى إضماره فبعضهم يضمر وقت إحرام الحج أشهر معلومات وبعضهم يضمر وقت أفعال الحج أشهر معلومات فالحمل عليهما لا يجوز بل يحمل على ما يدل الدليل على أنه يراد به لأن العموم من صفات النطق فلا يجوز دعواه في المعاني وعلى هذا من جعل قوله A ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ولا نكاح إلا بولي ولا أحل المسجد لجنب ولا لحائض ورفع القلم عن ثلاثة ) وما أشبهه مجملا منع من دعوى العموم فيه لأنه يجعل المراد معنى غير مذكور ويجوز أن يريد شيئا دون شيء فلا يجوز دعوى العموم فيه ومن الفقهاء من يحمل في مثل هذا على العموم في كل ما يحتمله لأنه أعم فائدة ومنهم من يحمله على الحكم المختلف فيه لأن ما سواه معلوم بالإجماع وهذا كله خطأ لما بيناه من أن الحمل على الجميع لا يجوز وليس هناك لفظ يقتضي العموم ولا يجوز ( صفحة 16 ) حمله على موضع الخلاف لأن احتماله لموضع الخلاف ولغيره واحد فلا يجوز تخصيصه لموضع الخلاف