إذا ورد الأمر بالفعل مطلقا وجب العزم على الفعل على الفور كما مضى في الباب قبله وهل يقتضي الفعل على الفور بنية على التكرار فإن قلنا إن الأمر يقتضي التكرار على حسب الاستطاعة وجب على الفور لأن الحالة الأولى داخلة في الاستطاعة فلا يجوز إخلاؤها من الفعل وإن قلنا إن الأمر يقتضي مرة واحدة فهل يقتضي ذلك على الفور أم لا ؟ فيه وجهان ( صفحة 8 ) لأصحابنا أحدهما أنه لا يقتضي الفعل على الفور ومن أصحابنا من قال يقتضي ذلك على الفور وهو قول الصيرفي والقاضي أبي حامد والأول أصح لأن قوله أفعل يقتضي إيجاد الفعل من غير تخصيص بالزمان الأول دون الثاني فإذا صار ممتثلا بالفعل في الزمان الأول وجب أن يصير ممتثلا بالفعل في الزمان الثاني .
- 1 - فصل .
فأما إذا ورد الأمر مقيدا بزمان نظرت فإن كان الزمان يستغرق العبادة كالصوم في شهر رمضان لزمه فعلها على الفور عند دخول الوقت وإن كان الزمان أوسع من قدر العبادة كصلاة الزوال ما بين الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله وجب الفعل في أول الوقت وجوبا موسعا ثم اختلفوا هل يجب العزم في أول الوقت بدلا عن الصلاة فمنهم من لم يوجب ومنهم من أوجب العزم بدلا عن الفعل في أول الوقت . وقال أبو الحسن الكرخي يتعلق الوجوب أحد شيئين إما بالفعل أو بأن يضيق الوقت . وقال أكثر أصحاب أبي حنيفة يتعلق الوجوب بآخر الوقت . واختلف هؤلاء فيمن صلى في أول الوقت فمنهم من قال أن ذلك نفل فإن جاء آخر الوقت وليس من أهل الوجوب فلا كلام في أن ما فعله كان نفلا وإن كان من أهل الوجوب منع ذلك النفل الذي فعله من توجه الفرض عليه في آخر الوقت ومنهم من قال فعله في أول الوقت مراعى فإن جاء آخر الوقت وهو من أهل الوجوب علمنا أنه فعل واجبا وإن لم يكن من أهل الوجوب علمنا أنه فعل نفلا والدليل على ما قلناه أن المقتضي للوجوب هو الأمر وقد تناول ذلك أول الوقت بقوله { أقم الصلاة لدلوك الشمس } فوجب أن يجب في أوله .
- 2 - فصل .
فإن فات الوقت الذي علق عليه العبادة فلم يفعل فهل يجب القضاء أم لا ؟ فيه وجهان من أصحابنا من قال يجب ومنهم من قال لا يجب إلا بأمر ثان وهو الأصح لأن ما بعد الوقت لم يتناوله الأمر فلا يجب الفعل فيه كما قبل الوقت .
- 3 - فصل .
إذا أمر بأمر بعبادة في وقت معين في وقت معين ففعلها في ذلك الوقت سمي أداء على سبيل الحقيقة ولا يسمى قضاء إلا مجازا كما قال الله تعالى { فإذا قضيتم مناسككم } .
وكما قال { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } .
أما إذا دخل فيها فأفسدها أو نسي شرطا من شروطها فأعادها والوقت باق سمي إعادة وأداء وإن فات الوقت ففعلها بعد فوات الوقت سمي قضاء