وينبغي أن يكون المفتي عارفا بطرق الأحكام وهي الكتاب والذي يجب أن يعرف من ذاك ما يتعلق بذكر الأحكام والحلال والحرام دون ما فيه من القصص والأمثال والمواعظ والأخبار ويحيط بالسنن المروية عن رسول الله A في بيان الأحكام ويعرف الطرق التي يعرف بها ما يحتاج إليه من الكتاب والسنة من أحكام الخطاب وموارد الكلام ومصادره من الحقيقة والمجاز والعام والخاص والمجمل والمفصل والمطلق والمقيد والمنطوق والمفهوم ويعرف من اللغة والنحو ما يعرف به مراد الله تعالى ومراد ( صفحة 71 ) رسوله A في خطابهما - 1 - ويعرف أحكام أفعال رسول الله A وما تقتضيه ويعرف الناسخ من ذلك من المنسوخ وأحكام النسخ وما يتعلق به ويعرف إجماع السلف وخلافهم ويعرف ما يعتد به من ذلك ما لا يعتد به ويعرف القياس والاجتهاد والأصول التي يجوز تعليلها وما لا يجوز والأوصاف التي يجوز أن يعلل بها وما لا يجوز وكيفية انتزاع العلل . ويعرف ترتيب الأدلة بعضها على بعض وتقديم الأولى منها ووجوه الترجيح ويجب أن يكون ثقة مأمونا لا يتساهل في أمر الدين .
- 1 - فصل .
ويجب عليه أن يفتي من استفتاه ويعلم من طلب منه التعليم فإن لم يكن في الإقليم الذي هو فيه غيره يتعين عليه التعليم والفتيا وإن كان هناك غيره لم يتعين عليه بل كان ذلك من فروض الكفاية إذا قام به بعضهم سقط الفرض عن الباقين ويجب أن يبين الجواب فإن كان الذي نزلت به النازلة حاضرا وعرف منه النازلة على جهتها جاز أن يجيب على حسب ما علم من حال المسألة وإن لم يكن حاضرا واحتملت المسألة تفصيلا فصل الجواب وبين وإن لم يعرف المستفتي لسان المفتي قبل فيه ترجمة عدل وإن اجتهد في حادثة مرة فأجاب فيها ثم نزلت تلك الحادثة مرة أخرى فهل يجب عليه إعادة الاجتهاد أم لا فيه وجهان : من أصحابنا من قال يفتي بالاجتهاد الأول ومنهم من قال يحتاج أن يجدد الاجتهاد والأول أصح .
- 2 - فصل .
وأما المستفتي فلا يجوز أن يستفتي من شاء على الإطلاق لأنه ربما استفتى من لا يعرف الفقه بل يجب أن يتعرف حال الفقيه في الفقه والأمانة ويكفيه في معرفة ذلك خبر العدل الواحد فإذا عرف أنه فقيه نظر فإن كان وحده قلده وإن كان هناك غيره فهل يجب عليه الاجتهاد فيه وجهان من أصحابنا من قال يقلد من شاء منهم وقال أبو العباس والقفال يلزمه الاجتهاد - 2 - في أعيان المفتين فيقلد أعلمهم و أورعهم والأول أصح لأن الذي يجب عليه أن يرجع إلى قول عالم ثقة وقد فعل ذلك فيجب أن يكفيه .
- 3 - فصل .
فإن استفتى رجلين نظرت فإن اتفقا في الجواب عمل بما قالا وإن اختلفا فأفتاه أحدهما بالحظر والآخر بالإباحة فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه منهم من قال يأخذ بما شاء منهما ومنهم من قال يجتهد فيمن يأخذ بقوله منهما ومنهم من قال يأخذ بأغلظ الجوابين لأن الحق ثقيل والصحيح هو الأول لأنا قد بينا أنه لا يلزمه الاجتهاد والحق أيضا لا يختص بأغلظ الجوابين بل قد يكون الحق في الأخف كيف وقد قال الله تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
وقال رسول الله A ( بعثت بالحنيفية السهلة ولم أبعث بالرهبانية المبتدعة ) .
( صفحة 72 ) .
[ 1 ] - قال برهان الدين : التقصير في علم اللغة إخلال بأول فروض الاجتهاد وقد أحسن الشيخ أبو المعالي فيما علق عنه من الأصول حين بين مواد العلوم و مقاصدها وحقائقها وجعل مادة الفقه الأصول القطعية وهي الكتاب والسنة و الإجماع وجعل اللغة مادة لهذه المادة قال لأن الشريعة عربية فلا بد من القيام بها ليفهم عن الله مراده فاللغة أصل الأصول ومادة المواد فكيف يكمل فقه من أل بها . انتهى جمال الدين انتهى .
[ 2 ] - وعليه يلغز فيقال : في أي سورة يجب على العامي أو المقلد الاجتهاد ؟ . انتهى جمال الدين .
القول في الاجتهاد