واعلم أن الترجيح لا يقع بين دليلين موجبين للعلم ولا بين علتين موجبتين للعلم لأن العلم لا يتزايد إن كان بعضه أقوى من بعض وكذلك لا يقع الترجيح بين دليل موجب للعلم أو علة موجبة للعلم وبين دليل أو علة موجبة للظن لما ذكرناه ولأن المقتضى للظن لا يبلغ رتبة الموجب للعلم ولو رجح بما رجح لكان الموجب للعلم مقدما عليه فلا معنى للترجيح .
- 1 - فصل .
ومتى تعارضت علتان واحتيج فيهما إلى الترجيح رجح إحداهما على الأخرى ( صفحة 66 ) بوجه من وجوه الترجيح وذلك من وجوه : أحدها أن تكون إحداهما منتزعة من أصل مقطوع به والأخرى من أصل غير مقطوع به والمنتزعة من المقطوع به أولى لأن أصلها أقوى . والثاني أن يكون أصل إحداهما مع الإجماع عليه قد عرف دليله على التفصيل فيكون أقوى ممن أجمعوا عليه ولم يعرف دليله على التفصيل لأن ما عرف دليله يمكن النظر في معناه وترجيحه على غيره . والثالث أن يكون أصل إحداهما قد عرف بنطق الأصل وأصل الأخرى بمفهوم أو استنباط فما عرف بالنطق أقوى والمنتزع منه أقوى .
والرابع أن يكون أصل إحداهما عموما ما يخص وأصل الأخرى عموم دخله التخصيص فالمنتزع مما لم يدخله التخصيص أولى لأن ما دخله التخصيص أضعف لأن من الناس من قال قد صار مجازا بدخول التخصيص فيه . والخامس أن يكون أصل إحداهما قد نص على القياس عليه وأصل الأخرى لم ينص على القياس عليه فما ورد النص بالقياس عليه أقوى . والسادس أن يكون أصل إحداهما من جنس الفرع فقياسه عليه أولى على ما ليس من جنسه . والسابع أن تكون إحداهما مردودة إلى أصل والأخرى إلى أصول فما ردت إلى أصول أولى ومن أصحابنا من قال هما سواء والأول أظهر لأن ما كثرت أصوله أقوى . والثامن أن تكون إحدى العلتين صفة ذاتية والأخرى صفة حكمية فالحكمية أولى . ومن أصحابنا من قال الذاتية أولى لأنها أقوى والأول أصح لأن الحكم بالحكم أشبه فهو بالدلالة عليه أولى . والتاسع أن تكون إحداهما منصوصا عليها والأخرى غير منصوص عليها فالعلة المنصوص عليها أولى لأن النص أقوى من الاستنباط . والعاشر أن تكون إحداهما نفيا والأخرى إثباتا فالإثبات أولى لأن النفي مختلف في كونه علة أو تكون إحداهما صفة والأخرى اسما فالصفة أولى لأن من الناس من قال الاسم لا يجوز أن يكون علة . والحادي عشر أن تكون إحداهما أقل أوصافا والأخرى أكثر أوصافا فمن أصحابنا من قال القليلة الأوصاف أولى لأنها اسلم . ومنهم قال ما كثرت أوصافه أولى لأنها أكثر مشابهة للأصل . والثاني عشر أن تكون إحداهما أكثر فروعا من الأخرى فمن أصحابنا من قال ما كثرت فروعه أولى لأنها أكثر فائدة ومنهم من قال هما سواء .
والثالث عشر أن تكون إحداهما متعدية والأخرى واقفة فالمتعدية أولى لأنها مجمع على صحتها والواقفة مختلف في صحتها . والرابع عشر أن تكون إحداهما تطرد وتنعكس والأخرى تطرد ولا تنعكس فالتي تطرد وتنعكس أولى لأن العكس دليل على الصحة بلا خلاف والطرد ليس بدليل على قول الأكثر . والخامس عشر أن تكون إحداهما تقتضي احتياطا في فرض والأخرى لا تقتضي الاحتياط فالتي تقتضي الاحتياط أولى لأنها أسلم في الموجب . والسادس عشر أن تكون إحداهما تقتضي الحظر والأخرى تقتضي الإباحة فمن أصحابنا من قال هما سواء ومنهم من قال التي تقتضي الحظر أولى لأنها أحوط . والسابع عشر أن تكون إحداهما تقتضي النقل عن الأصل إلى شرع والأخرى أولى تقتضي البقاء على الأصل فالناقلة أولى . ومن أصحابنا من قال المبقية أولى والأول أصح لأن الناقلة تفيد حكما شرعيا . والثامن عشر أن تكون إحداهما توجب حدا والأخرى تسقطه ( صفحة 67 ) أو إحداهما توجب العتق والأخرى تسقطه فمن الناس من قال إن ذلك يرجح لأن الحد مبني على الدرء والعتق على الإيقاع والتكميل ومنهم من قال إنه لا يرجح لأن إيجاب الحد وإسقاطه والعتق والرق في حكم الشرع سواء . والتاسع عشر أن تكون إحداهما يوافقها عموم والأخرى لا يوافقها فما يوافقها العموم أولى ومن الناس من قال التي توجب التخصيص أولى والأول أصح لأن العموم دليل نفسه فإذا انضم إلى القياس قواه . والعشرون أن يكون مع إحداهما قول صحابي فهو أولى لأن قول الصحابي حجة في قول بعض العلماء فإذا انضم إلى القياس قواه