- وجملته أن القياس حجة في إثبات الأحكام العقلية وطريق من طرقها وذلك مثل حدوث العالم وإثبات الصانع وغير ذلك ومن الناس من أنكر ذلك والدليل على فساد قوله إن إثبات هذه الأحكام لا يخلو إما أن يكون بالضرورة أو بالاستدلال والقياس لا يجوز أن يكون ( صفحة 53 ) بالضرورة لأنه لو كان كذلك لم يختلف العقلاء فيها فثبت أن إثباتها بالقياس والاستدلال بالشاهد على الغائب .
- 1 - فصل .
وكذلك هو حجة في الشرعيات وطريق لمعرفة الأحكام ودليل من أدلتها من جهة الشرع . وقال أبو بكر الدقاق هو طريق من طرقها يجب العمل به من جهة العقل والشرع وذهب النظام والشيعة وبعض المعتزلة البغداديين إلى أنه ليس بطريق للأحكام الشرعية ولا يجوز ورود التعبد به من جهة العقل وقال داود وأهل الظاهر يجوز أن يرد التعبد به من جهة العقل إلا أن الشرع ورد بحظره والمنع منه والدليل على أنه لا يجب العمل به من جهة العقل أن تعليق تحريم التفاضل على الكيل أو الطعم في العقل ليس بأولى تعليق التحليل عليهما ولهذا يجوز أن يرد الشرع بكل واحد من الحكمين بدلا عن الآخر وإذا استوى الأمران في التجويز بطل أن يكون العقل موجبا لذلك . وأما الدليل على جواز ورود التعبد به من جهة العقل هو أنه إذا جاز أن يحكم في الشيء بحكم لعلة منصوص عليها جاز أن يحكم فيه بعلة غير منصوص عليها وينصب عليها دليلا يتوصل به إليها ألا ترى أنه لما جاز أن يؤمر من عاين القبلة بالتوجه إليها جاز أيضا أن يؤمر من غاب عنها أن يتوصل بالدليل أليها وأما الدليل على ورود الشرع به ووجوب العمل فإجماع الصحابة وروي أن أبا بكر الصديق Bه كان إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله D ثم في سنة رسول الله A فإن لم يجد جمع رؤساء الناس فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به وكتب عمر Bه إلى أبي موسى الأشعري C في الكتاب الذي اتفق الناس على صحته : الفهم الفهم فيما أدى إليك مما ليس في قرآن ولا سنة ثم قس الأمور عند ذلك . وقال لعثمان Bه : إني رأيت في الجد رأيا فاتبعوني فقال له عثمان إن نتبع رأيك فرأيك رشيد وإن نتبع رأي من قبلك فنعم ذا الرأي كان . وقال علي كرم الله وجهه : كان رأيي ورأي أمير المؤمنين عمر Bه أن لا تباع أمهات الأولاد و رأيي الآن أن يبعن فقال له عبيدة السماني رأي ذوي عدل أحب إلينا من رأيك وحدك وفي بعض الروايات من رأي عدل واحد فدل على جواز العمل بالقياس .
- 2 - فصل .
ويثبت بالقياس جميع الأحكام الشرعية جملها وتفصيلها وحدودها وكفاراتها ومقدراتها وقال أبو هاشم لا يثبت بالقياس إلا تفصيل ما ورد النص عليه وإما إثبات جمل لم يرد بها النص فلا يجوز بالقياس وذلك كميراث الأخ لا يجوز أن يبتدأ إيجابه بالقياس ولكن إذا ثبت بالنص ميراثه جاز إثبات إرثه مع الجد بالقياس وقال أصحاب أبي حنيفة لا مدخل للقياس في إثبات الحدود والكفارات والمقدرات كالنصب في الزكوات والمواقيت في الصلوات وهو قول الجبائي ومنهم من قال يجوز ذلك بالاستدلال دون القياس والدليل على ما قلناه أن هذه الأحكام يجوز إثباتها بخبر الواحد فجاز إثباتها بالقياس كسائر الأحكام . ( صفحة 54 ) .
- 3 - فصل .
فأما الأسماء واللغات فهل يجوز إثباتها بالقياس فيه وجهان : أصحهما أنه يجوز وقد مضى في أول الكتاب .
- 4 - فصل .
وأما ما طريقه العادة والخلقة كأقل الحيض وأكثره وأقل النفاس وأكثره وأقل الحمل وأكثره فلا مجال للقياس فيه لأن معناها لا يعقل بل طريق إثابتها خبر الصادق وكذلك ما طريقه الرواية والسماع كقران النبي A وإفراده ودخوله إلى مكة صلحا أو عنوة فهذا كله لا مجال للقياس فيه