واعلم أنه إذا اختلفت الصحابة في المسألة على قولين وانقرض العصر عليه لم يجز للتابعين إحداث قول ثالث . وقال بعض أهل الظاهر يجوز ذلك والدليل على فساد ذلك هو أن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواهما كما أن إجماعهم على قول كل واحد إجماع على إبطال كل قول سواه فلما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول واحد لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين .
- 1 - فصل .
فأما إذا اختلفت الصحابة في مسألتين على قولين فقالت طائفة فيهما بالتحليل وقالت طائفة فيهما بالتحريم ولم يصرحوا بالتسوية بينهما في الحكم جاز للتابعي أن يأخذ في إحدى المسألتين بقول طائفة وفي المسألة الأخرى بقول الطائفة الأخرى فيحكم بالتحليل في إحدى المسألتين وبالتحريم في المسألة الأخرى . ومن الناس من زعم أن هذا إحداث قول ثالث وهذا خطأ لأنه وافق في كل واحد من المسألتين فريقا من الصحابة . وأما إذا صرح الفريقان بالتسوية بين المسألتين فقال أحد الفريقين الحكم فيهما واحد وهو التحريم وقال الفريق الآخر الحكم فيهما واحد وهو التحليل وأخذ بقول فريق في أحدهما وبقول فريق في الآخر فقال شيخنا القاضي أبو الطيب C يحتمل أن يجوز ذلك لأنه لم يحصل الإجماع على التسوية بينما في حكم الأول أصح لأن الإجماع قد حصل من الفريقين على التصريح بالتسوية بينهما فمن فرق بينهما فقد خالف الإجماع وذلك لا يجوز